تكنولوجيا الفتنة الغادرة

لن تكون بلادنا بخير.. مادام من يستيقظ باكراً يُنصّب نفسه قائد رأي حاذق، يقود الرياح حيث تشتهي غرائزه لا عقله، وما دام ثمة قرارات تُعد وتصدر عن “جمهوريات” افتراضية تعوم على وسائل تواصل اجتماعي، تتلاعب بالرأي العام وتفتعل هيجانات تقضّ مضاجع ملايين السوريين ممن ملّوا الخوف و التوجس، وبات حسبهم “حفنة” استقرار يلوذون بها ليلملموا شتات أنفسهم، وهم يتوقون لمعاودة بناء بلدهم المنهك بمادياته ومعنوياته.

فإن كان اليقين أسَّ منظومة الاستقرار، في بلد كسورية ينافح لاستعادة توازن خلخلتهُ عقودٌ من التخبط والارتباك، تمسي زعزعة اليقين والثقة هدفاً بغيضاً لكل هواة تأبّط الشّر، والمتاجرين بأوجاع الشعوب وأزماتها.. وكم هي كثيرة ويسيرة أدوات بعثرة الثقة، في زمن انتعاش غرائز التكنولوجيا الغادرة، وانتشار منصّات التقاط وتوزيع الرشقات القاتلة، التي اختُصرت بجهاز “موبايل ذكي” أمسى من أخطر المفخخات المعدة للانفجار في هذا العالم.
هي مُسلماتٌ ليست بخافية على أحد، والعبرة لم تعد في إدراكها.. بل في الاستعداد للتعاطي معها كأخطر استحقاقات مُلحّة لضمان الثبات في زمن لن ينجوَ فيه إلا من أفلحوا في إقامة جدران الصدّ والردّ، لأن مفهوم توازن الرعب وتطبيقاته يفرض نفسه عنوة اليوم.
الواضح أن كثيرين في هذا العالم، يتربصون بنا -نحن السوريين- عبر منصات جاهزة ومتاحة للعموم، وأصابع آثمة تعزف على وتر الفتنة هنا في الداخل، ولعله من البدهي أن تكون هذه “سوريتنا” بقوامها الجديد الواعد، هدفاً لأصحاب أجندات يتزاحم فيها السياسي والاقتصادي والثقافي، لكن لن يكون بدهياً الاستسلام والاسترخاء لها.
هنا يبقى من نافل القول: إن علينا أن نسارع لتعزيز منظومة أمننا السيبراني، وهي مهمة خاصة ندرك حجم التعقيدات التي تعتري تنفيذها، كما ندرك درجة حساسيتها وإلحاحها، وحساسية عامل الزمن الحاسم فيها.
ولتكن البداية بتوطين خبرات وأدوات ضبط ومعالجة احترافية لصفحات ومنصّات صناعة الكراهية، وصناعة الرعب حين تستلزم قواعد لعبتهم.. ولا نظن أنها مسألة معقدة، فهي ضرورة لا تقبل التأجيل للحفاظ على الأمن المجتمعي والسلم الأهلي.
وقد يكون الأوان قد آن لنحتذي بتجارب دول كثيرة استطاعت مكافحة ظاهرة الذباب الإلكتروني، ومحاصرة المحتوى الهدّام الذي تنطوي عليه رسائل الميديا السوداء.
ولا نظنّ أن في ذلك أي تجاوز على الحريات الشخصية ولا مناهضة لحرية الرأي، بل حماية للبلاد والعباد من عبث العابثين.
لم يعد لدينا فائض وقت في سورية الجديدة، لنضيعه في الدوران داخل حلقات مفرغة اعتاد الدوران فيها من اعتادوا.. وباختصار وبالعامية المفهومة للجميع “بدنا نشتغل”، ونتفرغ للأفق المقبل دون التفاتات إلى الوراء، فالالتفات يعني الارتكاس، والارتكاس فشل، والفشل موت سريري لا يستثني ابن ساحل ولا داخل ولا جبل ولا بادية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار