عملية «البترون» وما بعدها.. الأميركي حاضر ولا وقف قريباً لإطلاق النار.. المقاومة اللبنانية ‏تؤسس لمنطقة عازلة بشروطها

تشرين-هبا علي أحمد: ‏
على اعتبار أن لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي غزة ولبنان مع صمت الصوت السياسي ‏والدبلوماسي المفاوض ولاسيما على طرف الأميركي عشية الانتخابات الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعلى ‏اعتبار أن التصعيد سيّد المشهد في الجبهتين، وعلى اعتبار أيضاً أن «إنجازات» كيان الاحتلال ‏مُصفرة في غزة ولبنان باستثناء المجازر وحرب الإبادة والتدمير الممنهج، وأن الفشل الإسرائيلي ‏البرّي جنوب لبنان متواصل في مقابل تصعيد المقاومة اللبنانية من عملياتها حدّ الإيلام مع امتلاك ‏عنصر المُفاجأة في كل مرة وعملية إضافة إلى استخدام أسلحة جديدة ونوعية.‏

عملية «البترون» لم تكن لتتم من دون علم الجيش الأميركي نظراً لقرب المدينة من مطار «حامات» ‏الذي يتمركز فيه جنود وقوات أميركية

‏.. من أجل كل ما سبق يعمد كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى أساليب قديمة وطبيعية في سياق الحروب، ‏كما حصل في عملية الإنزال التي نفّذتها قوة «كوماندوز إسرائيلية» أمس الأول على ساحل ‏منطقة البترون شمال لبنان، وفي خارج ساحة المواجهة، واختطافها المواطن عماد أمهز وسط ‏تضارب المعلومات عن هويته، وهذه العملية ليست الأولى من نوعها في لبنان، بل حصل ما ‏يُشبهها خلال حرب تموز 2006، لكنها الأولى في المواجهة وليست مُفاجئة، إذ أثير الحديث ‏مؤخراً عن احتمال حدوث عمليات إنزال بحرية وجوية، يُضاف إلى ذلك السعي الإسرائيلي إلى إنشاء ‏منطقة عازلة جنوب لبنان.‏

الهدف
قيل الكثير حول عملية الإنزال وحول هوية أمهز وزعم ارتباطه بالمقاومة اللبنانية/حزب الله، كما ‏أثيرت الكثير من التساؤلات لكون المنطقة تقع تحت سلطة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية و‌‏«حماية» القوات الدولية ولاسيما الألمانية، وإذا حيّدنا موضوع الجيش والأجهزة فهذا شأن خاص ‏بالدولة اللبنانية وهي من تجيب عن التساؤلات، أما لناحية القوات الدولية وعلى نحو خاص ‏الألمانية لكونها تُشرف على مكان العملية فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير من الإيضاح لإدراك أنها من ‏سهل الأمر للعدو وأعطاه الضوء الأخضر. ‏
ومن الطبيعي أن يُثار موضوع ارتباط أمهز بالحزب، ليأتي النفي على لسان والده الذي قال: ابني ‏هو قبطان بحري مدني وكان يخضع لدورة في البترون في معهد مرساتي للعلوم البحرية وليست ‏الأولى، فهو خضع لعدة دورات في المعهد نفسه منذ عام ٢٠١٣ ويعمل عادة على بواخر مدنية ‏تنقل إما المواشي أو السيارات ويمضي أكثر أوقاته في البحر وليس له أي علاقة بالأحزاب ولا ‏يتدخل بالسياسة، وكل ما تتناقله وسائل الإعلام عن خطوط الهواتف التي عُثر عليها معه فهي لأنه ‏يشتري شريحة في كل بلد يصل إليه ليتواصل مع زوجته وأولاده ووالدته.‏
الأخطر في السياق أن العدو يعمل على مسارين: الأول: توسيع نطاق المواجهة ونقلها من الجنوب ‏إلى الداخل اللبناني وصولاً إلى فرض واقع احتلالي-كما سبق وأشرنا- بعد الفشل في التقدم جنوباً ‏وإضعاف حزب الله، والثاني: الفتنة الداخلية وبالتالي إشعال الحرب الأهلية، ولاسيما أن تأليب بيئة ‏المقاومة لم ينجح رغم ما تعرضت له من تهجير ونزوح وتدمير ممنهج لكل مقوّمات الحياة، فلا ‏بد من تأليب الرأي العام اللبناني لاسيما مع وجود أطراف مُتحاملة أساساً على المقاومة وإفساح ‏المجال أكثر لصوتها بأن يعلو لا سيما في ظل الصمت الذي نراه عند بعض هؤلاء ليس دعماً ‏للمقاومة، بل هو انتظار لما ستؤول إليه نتائج المعركة في الجنوب، وليس مُستبعداً أن تكون لها يد في ‏عملية البترون. ‏

الكيان سعى إلى فرض منطقة عازلة في جنوب لبنان خالية من السكان وهي استراتيجية سبق أن ‏نشرها على طول حدوده مع غزة

من جهة ثانية، أشار محللون لصحف لبنانية إلى الخشية من أن تكون عملية الإنزال مقدمة لدخول ‏المنطقة في دوامة من عمليات الاختطاف المتبادلة، ما قد يشمل جنسيات أجنبية، وخصوصاً المرتبطة ‏بالدول الغربية، كما لفتوا إلى أن هذه العملية لم تكن لتتم من دون علم الجيش الأميركي، نظراً لقرب ‏مدينة البترون من مطار حامات الذي يتمركز فيه جنود وقوات أميركية، ما يعني أن مركز ‏القيادة والسيطرة الأميركية كان على دراية بالعملية، خصوصاً أن هذه القوات تملك على الأرجح ‏نظاماً دفاعياً أو استخبارات يغطي نطاقاً واسعاً من المراقبة، ما يشير إلى درايتها وموافقتها على ‏العملية.‏

‏«منطقة عازلة» ‏
يتساءل كثيرون عن الأسباب التي تدفع كيان الاحتلال إلى استراتيجية التدمير الممنهج في ‏الجنوب للقرى والمنازل واتباعه سياسة الأرض المحروقة في سيناريو مُشابه لما حصل في غزة ‏على مدار العدوان المتواصل.. وفضلاً عن أن أحد الأسباب تعمد إلى التأثير في بيئة المقاومة ‏ومعنويتها، فإن الأساس الذي يسعى إليه الكيان هو فرض منطقة عازلة في جنوب لبنان خالية من ‏السكان وهي استراتيجية سبق أن نشرها على طول حدوده مع غزة.‏
ويتحدّث أحد الخبراء العسكريين أن الإسرائيليين يعتقدون أن إنشاء مثل هذه المنطقة، بطول 3 ‏كيلومترات على الشريط الحدودي، سيوفر حماية لمستوطناتهم الشمالية من أي هجمات محتملة ‏مستقبلاً، على غرار ما حدث في 7 تشرين الأول الماضي، مؤكداً أن هذا الإجراء لن يوفر لهم ‏الحماية الفعلية، لأنه سيُعاد إعمار هذه المناطق ولا يمكن للجانب اللبناني قبول إلغاء قرى الحدود ‏والتخوم الأمامية في أي سياق من التفاوض. ‏
ويقول آخرون: الوضع الحالي يذكرنا بالأحداث التي وقعت عام 2006، حيث تعتمد «إسرائيل» ‏على التكتيكات والآليات التقليدية نفسها، مثل التدمير ومحاولات الدخول البري لتحقيق إنجاز ‏عسكري، إلا أن هذه المحاولات البرية لم تنجح حتى الآن، فيما يبقى التدمير وحده غير كافٍ لحسم ‏المعركة.‏

منطقة المقاومة العازلة ‏
‏«المنطقة العازلة» التي يحلم بها العدو جنوب لبنان تبدو صعبة التحقيق، ولا نبالغ أبداً إذا قلنا إن ‏حزب الله هو من يؤسس لمنطقة عازلة بشروطه وصواريخه ومُسيّراته، كما لا نبالغ إن قلنا إنها برّية ‏وجويّة والجميع يُتابع كيف يتمّ الأمر.‏

حزب الله هو من يؤسس لمنطقة عازلة بشروطه وصواريخه ومُسيّراته ولا نبالغ إن قلنا إنها ‏برّية وجويّة والجميع يُتابع كيف يتم الأمر

صحيح أن سكان الجنوب هجّروا ونزحوا وقدموا التضحيات وما زالوا وهم خلف المقاومة دائماً، ‏وصحيح أيضاً أن عموم لبنان المنضوي الحليف للمقاومة يدفع الثمن، لكن الكيان يدفع أثماناً باهظة، ‏ونقلت وسائل إعلام العدو عن قائد تشكيل الدفاع الجوي سابقاً العميد احتياط تسفيكا حاييموفيتش قوله: ‏نحن في أسبوع إضافي من الحرب فيما نهاية الأسبوع ذكرتنا بالأثمان الباهظة التي ندفعها، في ‏حين أبدى مسؤولون في مدينة حيفا المحتلة تخوفهم من صواريخ ومسيّرات حزب الله التي تتساقط ‏بشكلٍ متزايدٍ في المدينة، وقالت وسائل الإعلام: إنّ حزب الله ينفّذ تهديده بأنّ ما يسري على ‌‏«كريات شمونة» سيسري على حيفا، وفعلاً يُمطر المدينة بالصواريخ ويرسل سكانها إلى ‏الملاجئ، ولفتت مصادر في الصناعات العسكرية للاحتلال إلى أنه لا حلول للطائرات المُسيّرة في ‏الوقت الحالي والجيش تنبّه متأخراً إلى عدم قدرته في التعامل معها.‏
إلى ذلك، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة، مستكملاً حرب الإبادة الجماعية ‏ومخططه لتهجير السكان وتدمير كلّ مقومات الحياة، وخلال الساعات الماضية نسف جيش ‏الاحتلال عدداً من المباني السكنية في مخيم جباليا شمال القطاع، أسفر عن ارتقاء شهداء وعدد من ‏الإصابات.‏
في المقابل، تواصل المقاومة في غزة التصدي لقوات الاحتلال على المحاور كلها، وتحقيقها ‏إصابات مؤكدة وخسائر في صفوفها.‏
يأتي ذلك فيما تواصل قوات الاحتلال عدوانها على قطاع غزة لليوم الـ394، براً وبحراً وجواً، ما ‏أسفر عن ارتقاء 43314 شهيداً، وإصابة 102019، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، في ‏حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف المفقودين تحت الأنقاض.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار