مشكلة صامتة تؤرق آلاف الأسر أكثر من تكاليف اليوميات المعيشية..والسماسرة متهمون لم تثبت براءتهم
تشرين – وليد الزعبي:
باتت القصص التي يرويها عدد من المواطنين المغلوب على أمرهم إزاء واقع ما آلت إليه إيجارات الشقق السكنية أقرب إلى الخيال، حيث إن التهديد والوعيد بالإخلاء هو سيد الموقف عند أغلبية المؤجرين في حال لم ينصَعْ المستأجر لإرادتهم بفرض زيادة في الإيجار كل ستة أشهر وأحياناً ثلاثة، وهو أمر من غير المعقول تحمله أبداً بالنسبة لمحدودي الدخل، وخاصةً الموظفين، وما “زاد الطين بلة” دخول وكلاء على خط الإيجارات، حيث يلجأ عدد منهم إلى ما يسمى بـ (ضمان) أي استئجار أبنية بكاملها من مالكيها الذين يعمل معظمهم في دول الخليج بمبلغ سنوي مقطوع، ومن ثم يقومون هم بفرض إيجارات على المستأجرين باهظة وبشكل فج لا رحمة أو شفقة فيها، والمشكلة أن كل ما يحدث من استغلال لا يجد أي جهة تتصدى له، وتضع ضوابط وسقوفاً منطقية للإيجارات وفق معايير وأسس، يمكن دراستها من متخصصين وإقرارها.
يلجأ البعض إلى (ضمان) أي استئجار أبنية بكاملها من مالكيها المغتربين بمبلغ سنوي مقطوع ومن ثم يقومون هم بفرض إيجارات باهظة على المستأجرين وبشكل فج
تسبّب الأمراض
روى أحد الموظفين أنه يقطن في شقة تعد حشوة، أي لا تطل على الشارع، وتهويتها وإنارتها سيئة، وهي في الشتاء رطبة تتسبب بالمرض المتكرر، وخاصةً للأطفال، وفي الصيف درجات الحرارة فيها مرتفعة جداً وتصبح أشبه بمدفأة مشتعلة بشدة، والمشكلة أن هذه الشقة التي لا تزيد مساحتها على ٦٥ متراً مربعاً يتقاضى صاحب البناء أجراً لها كما الشقق التي على الواجهة ذات التهوية والإنارة الجيدة والمساحة الأكبر، وذكر أنه عند كل زيادة يقررها صاحب البناء يحاول مناقشته بمواصفات شقته غير الجيدة وضرورة أن يكون إيجارها أقل، لكنه لا يتقبل الأمر ورده الحاضر دائماً يقول: إذا لم يعجبك الوضع اترك الشقة.
موظفون: لم يعد بمقدورنا تحمّل الزيادات المفروضة وخلال فترات متقاربة
الإيجار بـ”الأخضر”
قصة عامل في مصبغة ومغسلة ملابس على المنوال نفسه، حيث أشار إلى أن صاحب الشقة التي يقطن فيها اشترط عليه منذ حوالي السنة دفع بدل الإيجار بالدولار، وحينها أخذ ٦٠ ثم رفعه إلى ٧٥ والآن يأخذ ١٠٠، وهو لا يقبل أي مساومة أو مهادنة، ويقول كما في حالة الموظف السابق الذكر: عندما لا يناسبك المبلغ يمكنك أن تخلي الشقة، فهناك كثيرون غيرك بانتظار خلو شقة ومستعدون لدفع الإيجار الذي نطلبه.
معاناة لا توصف
كان مساعد الصيدلي الذي يعمل بأجر في إحدى الصيدليات منفعلاً جداً لدى سرده معاناته مع الإيجارات السكنية، حيث أشار إلى أنه تنقل على مدار ١٢ سنة بين (5) شقق سكنية، وكان يُطلب منه أحياناً إخلاء الشقة لأن مالكها يحتاج إليها، أو لأن الإيجار الجديد المطلوب مرتفع جداً ولا قدرة له على تحمله.
عدوى تقاضي الإيجار بـ”الأخضر” إلى تصاعد.. والمستأجر ينصاع مكرهاً تحت ضغط الحاجة
وبيّن أنه الآن يقطن وأسرته في قبو سكني، وهذا القبو فيه مشكلة بغيضة جداً، تتمثل بالانسداد المتكرر لمجرور الصرف الصحي وفيضان المياه الآسنة بشكل مقزّز جداً، ما يضطره كل شهر أو شهرين لمراجعة شركة الصرف الصحي ودفع الرسم اللازم لاستقدام صاروخ تسليك المجرور، وأحياناً لا يجدي عمل الصاروخ نفعاً لسوء التمديدات الصحية في البناء، فيضطر لجلب ورشة خاصة بأجور باهظة لتقوم بعملية التعزيل والتسليك.
وأضاف: بالرغم من هذه المشكلة التي تكاد تجعل المنزل غير قابل للسكن أصلاً، إلا أن وكيل البناء يتنصّل من أي مسؤولية تجاه إصلاح المجرور ويفرض إيجاراً باهظاً، كما لا يفرق بين هذه الشقة التي تتوضع في القبو وفيها مشكلة المجاري وبين الشقق الأخرى في الطوابق العليا ذات المواصفات الأفضل.
لا تفريق في الإيجار بين شقق كبيرة وصغيرة أو بمواصفات جيدة وسيئة.. وإن لم يعجبك فالإخلاء والشارع مصيرك
جشع الوكلاء
ركز أغلب من التقيناهم من المستأجرين على ظاهرة تزايد وكلاء الأبنية المعدة للإيجارات، حيث إنهم أصبحوا سبباً رئيساً بتفاقم الإيجارات، فمثلاً يأخذ البناء كاملاً (مكوناً من ٨ شقق) من مالكه ببدل شهري يبلغ ٤.٨ ملايين ليرة، أي ما يعادل للشقة الواحدة ٦٠٠ ألف، بينما يتقاضى من المستأجر (المعتّر) من ١ إلى ١.٢ مليون ليرة أي الضعف، وهنا يأمل المستأجرون أن يتم إلغاء الحالات المسماة (ضمان) من وكلاء، حيث يمكن أن يقوم أحد المستأجرين في البناء بجمع الإيجار للمالك مباشرة من دون أي مقابل، ويكون الوفر المتحقق من اختصار الوكيل لمصلحة المستأجرين الذين يعانون الأمرّين من ضنك العيش ضمن ظروفنا الراهنة.
المحال والمكاتب أيضاً
حالات إيجار المحال التجارية ومكاتب المحاماة والهندسة والسياحة والسفر وعيادات الأطباء وغيرها، لا تبتعد كثيراً عما يحدث من استغلال بفرض أجور باهظة ومتصاعدة بفترات متقاربة، كما أن فرض إيجار لهذه الفعاليات بـ”الأخضر” هو من أكثر الحالات حدوثاً، علماً أن بعض المحال بمواصفات سيئة وتتوضع ضمن وجائب أبنية سكنية فرضتها الحاجة عندما خرج السوق التجاري الرئيسي في حي المحطة ضمن مدينة درعا عن الخدمة بسبب ظروف الحرب على سورية.
تعثّر إكمال الجمعيات السكنية وبقاء أحياء متضررة بلا تنشيط “زادا الطين بلّة”
هل من تدخل؟
يستغرب كل من يعاني مرارة الإيجار عدم وجود أي تدخل من أي جهة رسمية لجهة لجم جموح الإيجارات، ويأملون تشكيل لجان متخصصة من خبراء يمكنها أن تُقيّم إيجارات الشقق السكنية حسب مواصفات كل منها من جهة المساحة ونوع الإكساء والتهوية والإنارة والخدمات، حيث تكون منصفة للمستأجر والمؤجر في آنٍ معاً، مع أهمية وضع حدّ أدنى ملزم للمؤجر لا يقل عن ثلاثة أعوام لا يطلب خلالها الإخلاء أو زيادة الإيجار، إذ لا يعقل أن يبقى الأمر رهن مزاج المؤجر وبقوة القانون الذي لم يراع أي اعتبار للمستأجر المهدد بأن يصبح في الشارع في أي لحظة هو وأسرته إذا ارتأى المؤجر ذلك، وهو ما حدث ويحدث فعلاً وبشكل متكرر، والأمثلة في المحيط حدّث ولا حرج.
رؤى صائبة
عدد من المتابعين أشاروا إلى ضرورة إيجاد طرق تسرّع بإنجاز الجمعيات السكنية المتوقفة منذ بداية الحرب، وتأمين قروض ميسرة للجمعيات تمكنها من إتمام أبنيتها التي توقف بعضها على الهيكل أو الأساسات أو الترخيص، وكذلك الإسراع بتنشيط العودة إلى حي المحطة بمدينة درعا، لكونه يحتوي على الكثير من المحال والمكاتب والشقق.
تعثر الجمعيات السكنية
مدير التعاون السكني في درعا محمد العقلة، أوضح أن ظروف الحرب أوقفت فعلاً العمل بكل الجمعيات التعاونية السكنية سواء كانت في حي سجنة أم حي الضاحية بمدينة درعا أو جوار بلدة اليادودة، وكذلك غيرها من الجمعيات في مواقع أخرى، وحالياً هناك عوامل تحول دون معاودة الإقلاع بإكمال إنجاز تلك الجمعيات التي تحوي مئات الوحدات السكنية، الأمر الذي لو تم لساهم في تخفيف حدة ارتفاع الإيجارات بشكل كبير، وتتمثل تلك العوامل بارتفاع تكاليف مواد البناء التي جعلت تكلفة المتر المربع الواحد على الهيكل تتجاوز مليوني ليرة، وهو أمر لا يمكن للمكتتبين تحمل أعبائه لكون معظمهم من ذوي الدخل المحدود، كما أن هناك ظروفاً في مواقع بعض تلك الجمعيات ما زالت تعوق البدء بإكمالها ويجري السعي لتذليلها، أضف لذلك تعثر القروض الممنوحة لمصلحة الجمعيات والتي يتم ترتيبها على المكتتبين لضعف ضمانات السداد أو ضعف الثقة نتيجة ظروف الحرب واحتمال هجرة بعض المقترضين، على أمل أن يصار إلى تذليل ما أمكن من تلك الصعوبات في أقرب وقت ليتاح البدء بإكمال الجمعيات التي توفر مئات الوحدات السكنية، وبالتالي تخفف من ضائقة عدم توفر الشقق السكنية والمساهمة بعدم تصاعد الإيجارات واستقرارها ضمن حدود معقولة، علماً أنه لا تقل أهمية ضرورة العمل على إكمال السكن الشبابي والعمالي الذي طال انتظاره.
تأخر التفعيل
رئيس غرفة تجارة وصناعة درعا المهندس قاسم المسالمة لفت إلى ضرورة إعادة إحياء باقي أجزاء السوق التجاري المركزي في حي المحطة بمدينة درعا، لكونه يحتوي على آلاف المحال التجارية والمئات من مكاتب المحاماة والهندسة والعيادات ودور الأشعة والمخابر الطبية ومعاهد اللغات والمدارس وغيرها من الفعاليات، كما يحتوي في أطرافه على أعداد كبيرة من الشقق السكنية، التي في حال معاودة استثمارها كلها، فإنها لا شك ستسهم بشكل كبير في تخفيف قيم إيجار المحال والمكاتب وحتى الشقق السكنية والحدّ من تفاقم ارتفاعها، علماً أنه يجري التواصل مع الجهات ذات العلاقة منذ عدة سنوات من أجل تأهيل مختلف البنى التحتية في هذا السوق، وإزالة الأبنية الآيلة للسقوط، ولإعادة الجهات العامة والنقابات إلى مقرّاتها الأساسية ضمن السوق، وخاصةً فرع المصرف التجاري لما له من دور بارز في المساهمة بتنشيط الحركة في الوسط التجاري الرئيسي، علماً أن أعمال ترميم مقره تمت منذ عدة أشهر بانتظار تأثيثه وتجهيزه والانتقال إليه والذي يؤمل أن يتم بأسرع ما يمكن.