تحت وطأة الأزمات.. طلاب يتنمرون على رفاقهم وخبراء ينبهون من المخاطر ويرسمون خارطة المعالجة
تشرين – إلهام عثمان:
لم يعد التعليم مجرد رحلة أكاديمية فحسب، بل أصبح خوضاً في معارك يومية للتغلب على العوز والقلة، إذ بات العديد من الطلاب يواجه واقعاً مريراً، بسبب عدم استطاعة بعض الأهالي تأمين كامل المستلزمات المدرسية الواجب تأمينها لأبنائهم، حيث أصبحت الحقائب والأحذية البالية سمة مشتركة تعبر عن الفقر والقلة المادية، ومشهد طلاب يرتدون حقائب إخوتهم، رمزاً للحلم الضائع والواقع المعيش، إلا أن الأمل مازال يكافح ضد ضغوطات الحياة اليومية، هنا، يجب أن نتوقف ونسأل: كيف يمكن لمؤسساتنا التعليمية ” المدارس” أن تعيد بناء بيئة تمنع التنمر بين الطلاب أنفسهم، وبين الطلاب والمعلمين؟
من أرض الواقع
أحد العاملين في المحال التجارية يحدثنا أن رجلاً خمسينياً دخل إلى محله، لشراء حقيبة ثنائية الاستخدام، على أن تكون بلون حيادي تناسب الذكور والإناث، لعدم قدرته على شراء حقيبتين مدرسيتين لأولاده.
أما مؤيد ذو العشر سنوات، فقد أثنى على أخيه الأكبر سناً، وقال: تخلى أخي عن شراء ألبسة مدرسية له مقابل شراء ألبسة لي، وقد اكتفى باستخدام ما لديه من قديم.
بينما أضاف أحمد، طالب مدرسة، أن “صدرية” وحذاء أخيه الأكبر، تفيان بالحاجة، ويقول: توفي أبي العام الماضي، وأمي غير قادرة على تأمين جميع المستلزمات، لذا لابد من أن نساعدها ونتقبل الوضع.
أما أم فاروق فتقول: لدي ثلاثة أولاد وجميعهم في المدارس، لذا قمنا أنا ووالدهم بإعادة تدوير ألبستهم المدرسية، والاكتفاء فقط بشراء الكتب والقرطاسية.
وهنا نرى أنه نتيجة إعادة استخدام الألبسة والحقائب المدرسية ذاتها بين الإخوة، قد يعرض بعضهم للتنمر من قبل الأقران أو الأساتذة وهذا ما يؤثر بشكل سلبي على التلاميذ.
أصوات الصامتين
ميرنا طالبة في الأول الإعدادي تقول: غالباً ما أتفاجأ بالتعليقات السلبية حول لباس المدرسة خاصتي، وتضيف: “أحياناً أشعر بأنهم لا يرونني، بل يرون فقط ملابسي القديمة”، ما يجعلني أشعر بالنقص رغم مثابرتي في الدراسة.
بينما أضاف أحمد تلميذ في الثالث الإعدادي: أشعر بالحزن عندما أرى أصدقائي يرتدون الثياب ويحملون الحقائب الجديدة، لكن أتذكر كلام والدي أنني عندما أكبر سأكون طياراً وسأحقق أمنياتي.
نعاج: الدروس الاجتماعية التي يتم تعليمها لا تقل أهمية عن المناهج الأكاديمية
واقع مؤلم
وهنا تصرح الاختصاصية النفسية الدكتورة فرح نعاج لـ” تشرين”، أن التنمر هي حالة وليست عموماً، إلا أنها تستحق الاهتمام حيث إنه يعكس واقعاً مؤلماً كان ومازال موجوداً، حيث يضاف إلى الضغوط النفسية التي يعاني منها الطلاب، وأنه علينا جميعاً كمجتمع واعٍ، أن نزرع في نفوس أطفالنا الحب والقيم منذ نعومة أظفارهم، وعلى المعلمين أن يكونوا قدوة حسنة، مشيرة إلى أن التنمر يتعزز عندما يقف المعلمون في صفوف المتنمرين على الحياد، ما يمثل صدمة إضافية للفئات الضعيفة وأمراضاً نفسية عدة.
المتنمر” ضحية”
وكشفت نعاج أن المتنمر غالباً ما يكون ضحية لظروف معينة، لذا يجب على المعلم إعطاؤه فرصة للتعبير عن قصته بعد التحقق من الحقائق، وتوضيح أن تصرفاته غير مقبولة، ولأهله إن لم يستجب.
دور المعلم
يمتد دور المعلم ليشمل ليس فقط دعم ضحية التنمر، بل أيضاً لرفع الوعي حول هذه الظاهرة وأدواتها، هذا ما بينته نعاج، إذ على المعلم توضيح أن هدف المتنمر هو رؤية الخوف في عيون ضحاياه، لذا يجب تزويد الأهل لأطفالهم بإستراتيجيات الدفاع عن النفس والثقة بالذات، وهنا يبرز دور المعلم في تنظيم جلسات لمناقشة أسباب التنمر وطرق التغلب عليه، ما يشجع الطفل على فتح باب الحوار مع أسرته. بالإضافة لمتابعة الموقف وإعلام الطفل بالإجراءات المتخذة من قبل المدرسة لحماية الضحايا، ما يعكس عدم قبول السلوكيات السلبية.
من جهته أوضح الخبير التربوي الدكتور محسن زعرور، من خلال حديثه لـ” تشرين”، أن التنمر أمر مرفوض في المجتمع التعليمي سواء من الطالب أو المعلم، إذ يعد حاجزاً بين المعلم والطالب، لأنه يفرز نتائج سلبية ويضيع جهود المعلم التعليمية، مهما كان حجمها، فضلاً عن فقدان الطلبة الدافعية نحو التعليم، والتهرب من المدرسة، وعدم رغبتهم في لقاء معلمهم، وجميعها شواهد تؤثر سلباً في مخرجات التعليم.
خطوات
تتضمن الخطوات العلاج السلوكي وفق تعبير نعاج: تنظيم جلسات لمناقشة أسباب التنمر، ووضع خطة تحفيزية للتوجيه نحو سلوكيات إيجابية، مثل المشاركة في الأنشطة المدرسية بدلاً من التنمر، وربط المعلم المكافآت المدرسية بتعديل السلوك، حيث لا يحصل المتنمر على الأنشطة الترفيهية حتى يتحسن سلوكه، وفي النهاية، يمكن للمعلم التعاون مع مختص اجتماعي أو نفسي للتواصل مع الأسرة، ما يسهم في معالجة الأسباب الجذرية للتنمر وتعزيز دور المعلم في دعم كل من الضحية والمتنمر.
التأثير النفسي
وعن التحديات النفسية التي يواجهها الطلاب بسبب التنمر ووفق تعبير نعاج، فإنه لا يؤثر فقط على الثقة بالنفس، بل يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والقلق، وهنا لا بد من تقديم الدعم النفسي والعاطفي من قبل الكوادر التدريسية لتعزيز النفوس.
وأضافت: إن الدروس الاجتماعية التي يتم تعليمها لا تقل أهمية عن المناهج الأكاديمية، لذا، لابد من تعزيز ثقافة الاحترام والقبول في المدارس يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً.
عقيل : العمل على وضع برامج دعم موجهة للمحتاجين مثل توفير المستلزمات التعليمية مجاناً أو بأسعار جداً رمزية..
التحديات الاقتصادية
من جهته، تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور سمير عقيل من خلال حديثه لـ” تشرين”، عن أثر الوضع المعيشي على تعليم الطلاب، مبيناً أن ضعف الوضع الاقتصادي والمعيشي لغالبية الأسر، ينعكس سلباً على التعليم، حيث إن الاستثمار في التعليم ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لتحسين الاستجابة للأزمات.
ويشير عقيل إلى أهمية العمل على وضع برامج دعم موجهة للمحتاجين، مثل توفير المستلزمات التعليمية مجاناً أو بأسعار جداً رمزية..
منافسة
وهنا أكد عقيل قائلاً: أضف إلى بعض الضغوط الاجتماعية التي يعيشها المجتمع السوري ككل حيث تمثل تحدياً إضافياً، يعيش الطلاب تحت وطأة المنافسة الاقتصادية والاجتماعية، ما يؤثر على تفاعلهم الاجتماعي.. وبهذا، قد تصبح المدارس مكاناً للصراعات من نوع جديد.
من جهتها: أشارت نعاج إلى أهمية تمكين الأسر غير القادرة مالياً، وعندما تحصل الأسر على دعم يشمل تعليماً مستداماً وفرص عمل، يقلل ذلك من الضغط على الأطفال.
رسالة للمستقبل
وشددت نعاج على أنه يجب أن تصبح المدارس مراكز للدعم والوحدة، بدلاً من أن تكون ساحة للمنافسة أو التنمر، و أن تسهم في خلق بيئات آمنة تعزز القيم الإنسانية، لاسيما أن جميع الطلاب يحتاجون للعيش في بيئة تعليمية تعترف بتنوعهم وتتفهم احتياجاتهم.
منارة الأجيال
إن الأمل لا يزال موجوداً، والمفاهيم الجديدة تشكل القدرة على التغلب على المصاعب، وعند تضافر جهود المجتمع والمؤسسات التعليمية لبناء جسور المودة والحوار والتواصل الإيجابي والفعال بين الطلاب أنفسهم وبين الطلاب والمدرسين، بهدف تعزيز الثقة والقدرة على التغلب على الأوراق المهمة في رحلة التعليم في ظل هذه الظروف الصعبة، ويجب أن تحافظ المدرسة على مهمتها كمنارة لأجيال المستقبل، فمهمة المدرسين” التربية قبل التعليم”، لذا دعونا نتعاون، لأننا بالقارب نفسه ونعبر المحيطات نفسها.