ضجيج المتطلبات المعيشيّة يطفئ جذوة ” الاحتفاء بالحياة” في الأسرة… أزواج في “قفص الاتهام” وزوجات ينشدن الالتزام بـ “البروتوكول”..

تشرين- إلهام عثمان:
بعض “التفاصيل الصغيرة” تنعش العلاقات الزوجية، والتي ربما لم يعترف بعض الأزواج أصلاً بولادتها في حياتهم، في حين أنها غابت عن ذاكرة بعضهم نهائياً، وتوارت خجولة خلف جدار الغلاء المعيشي.. بعد حضورها لسنوات خلت، في حين لم يعد باليد حيلة التفضيل، بين تفصيل يفرح قلب من نحب أو لقمة العيش الأهم، في حين أنها بقيت حاضرة لدى أزواج آخرين رغم مرورها مهرولة، إلّا أنها تمر وبأقل التكاليف والحضور المادي، لكن بقيت حاضرة في قاموسهم الزوجي تلون أيامهم الرمادية الروتينية.

اللامبالاة
إلّا أن الوضع المعيشي وغلاء الأسعار طالا حتى تلك الأمور الدقيقة، وتعود اللامبالاة عند بعض الأزواج إلى نسيان المناسبات الخاصة فيما بينهم، من منظور الاختصاصي النفسي عمرو شحادات، لتلك الأوضاع.

الظروف المعيشية طالت الحياة الزوجية بأدق تفاصيلها

وربما هو ليس تقصيراً حسب تفسيره وإنما هو إهمال متعمد من أحد الزوجين، متخذين من الظروف أعذاراً، والتي تؤدي لاحقاً إلى فتور المشاعر بين الزوجين، وبالتالي خلافات مجهولة الهوية.
ويضيف: منهم من يوجه أصابع الاتهام إلى قلة الحيلة بالرغم من أن المشاعر مازالت موجودة إلّا أن مشاغل الحياة فرضت وجودها رغماً عنهم فجعلتهم ينسون.
ولفت شحادات إلى أن بعض الأزواج اهتموا “سابقاً” بالمناسبات الخاصة، من عيد زواج, وعيد ميلاد نصفه الآخر أو ربما يكون عيد الحب, ومنهم من لم يهتم ويتذكر أساساً, ويعود الإهمال عند بعض الأزواج لمشاعر من يحبون, لمقولة “لقمة العيش أهم من المشاعر الزائفة”.

ليست عادات دخيلة
وهنا أكدته (ح.أ) ذات الـ ٣٨ عاماً لـ”تشرين”، عن مدى أهمية تلك الخيوط الرفيعة التي تسمى “هدايا الحب” بالعلاقة الزوجية, وبوجه بارد يملؤه اليأس تقول: عشنا أوقاتاً وأياماً عصيبة جداً مثل أي أسرة سورية، وكأي عائلة صغيرة ذات دخل محدود “سكجنا أمورنا” ولم نكن بخير، إلّا أن الأمل دائماً كان هدفنا لعل الله ينظر في حالنا, و”تفرج ع الجميع”، وتضيف: أقف بجانب زوجي في كل الأمور الصغيرة قبل الكبيرة، رغم أنني أهتم بما بين السطور في زواجنا إلا أن زوجي عكس ذلك، لا تهمه تلك التفاصيل ويصفها بالتفاهات حسب رأيه, فيقول: الحب لا يختصر بيوم واحد أو عدة أيام من السنة الزوجية, وتعود لتؤكد: سابقاً كنت أهتم بعيد زواجنا, وعيد ميلاده وغيره من الأعياد التي أراها جميلة رغم قول بعض الناس إنها عادات دخيلة على مجتمعنا، إلا أنني أعتبرها عادات رائعة، فنحن لا نؤذي أحداً عندما نمارس تلك الطقوس، وإنما نشتري لحظة السعادة لمدة قصيرة، وهنا ارتجفت شفتاها قائلة: أما الآن وبصراحة.. فقد تبدد هذا الشعور لدي، فإن لم يكن الاهتمام متبادلاً فلا قيمة لتلك الأحاسيس.

كيلو لحمة لأولادي أحلى من وردة أعلّقها على ثيابي

من جهته أكد (ع.ق) 39 عاماً أنه وفقاً للعادات والتقاليد فقد تزوجت “حسب رغبة الأهل” منذ 17 عاماً, رغم أن زوجتي غير مثقفة ولا أقول جاهلة، وأنا جامعي, أجد أنه من واجبي الاهتمام بالمناسبات الخاصة بزواجنا، وهي كذلك الأمر, للتعبير عن اهتمامي بها وبزواجنا وعلاقتنا، وفي الفترة الأولى لزواجنا كنت أحضر الهدايا الغالية والجميلة وغيرها, لكوني كنت أرتاد عملي الإضافي في شركة خاصة لتأمين لقمة العيش ومتطلبات حياتنا, أما الآن رغم ضيق الحال والوضع المادي الصعب ورغم أنني مازلت أعمل ليل نهار بدوامين وليس واحداً، أسعى أن أوفر سبل العيش بالمتوفر.. فأحياناً أشتري لزوجتي هدية جداً بسيطة, وأحياناً نكتفي بإقامة أجواء الاحتفال من دون هدايا، إلّا أن عدم وجود الهدايا لم يغير من اهتمامنا بتذكر أعياد ميلادنا وزواجنا, وأحرص أشد الحرص على ألّا أفوت تلك المناسبات لأي سبب كان, حفاظاً على مشاعرها وعدم ترك مجال للإهمال لكي يتسلل إلى حياتنا, أضف لذلك أنا أكره الروتين وأحب تلك المناسبات لكونها تجدد علاقتنا كما أشعر بالغبطة عند رؤية زوجتي سعيدة وفخورة .
احذروا الاستهتار
ونظراً لدور الاهتمام في العلاقات.. لفت شحادات إلى أنه يجب على الأزواج الحذر من الاستهتار بتوقعات زوجاتهم، عن كيفية التعامل مع تلك المناسبات، وربما ينظر البعض لتلك المناسبات على أنها شيء ثانوي جداً وغير مهم أيضاً وتعد ترهات.. وهنا تكمن المشكلة، ويضيف: “إهمال الزوج لهذه المناسبات لا يمر على الزوجة مرور الكرام”، وإن كانت لدى الزوج ظروف تمنعه من إحضار هدية لزوجته أو قضاء هذه المناسبة معها بشكل خاص فيجب عليه أن يتحدث معها ويبرر لها تقصيره، كي لا تصاب بالإحباط.

ويواصل شحادات قائلاً: «الهدية وسيلة فعالة للغاية من وسائل التعبير عن الاهتمام ومدى أهمية وجود الشريك في حياة شريكه، كما أن لها تأثيراً قوياً على العلاقات الاجتماعية والزوجية بشكل عام، فكيف إذا كانت تلك العلاقات لإحياء وإنعاش الحياة الزوجية التي تكبلها الظروف والروتين ما بين العمل والواجب والأطفال والمناسبات العائلية وغيرها, صحيح أن الهدية ليست بقيمتها المادية وإنما المعنوية إلا أنه هناك أزواج لا يهتمون بحجة” اللقمة أهم”، متناسين أن وقع الكلمات له تأثير كبير في نفوس زوجاتهم تفوق الهدية والمناسبة بحد ذاتها, فهي في معظم الأحيان تجبر القلوب وتغذي الروح التي ترهقها فوضى الواجبات وتبقى بقيمتها المعنوية والغاية إدخال السعادة والفرح إلى قلب الشريك.

إحباط بسبب النسيان
من جهتها لفتت الدكتورة جمانة قيسي، مستشارة العلاقات الزوجية والأسرية إلى حالة الإحباط الرهيب التي تنتاب بعض السيدات من جراء نسيان الزوج التهنئة بالمناسبات الزوجية، وخاصة أن الزوجة تعمل طوال اليوم من دون كلل أو ملل وحتى من دون كلمة شكر من أحد.. فهي الأم والزوجة والتي عليها القيام بكل الأعباء من تسيير لأمور المنزل وتدريس الأطفال وغيرها من الواجبات الملزمة بتنفيذها.. لكن ألا يحق للزوجة فرصة صغيرة لأن تعود لذاتها وتتذكر نفسها كامرأة، مؤكدة أن ذلك طبعاً لا يرتبط بعمر الزوجة وإنما بعمر العلاقة الزوجية, فالزوجة قد تقارن نفسها بصديقاتها وقريباتها ممن تلقين هدايا وخلافه، وأين هي من كل هذا وذاك فهي تريد وترغب بأن تعود للأيام الماضية بلا مسؤوليات؟

بعض الاهتمام ينعش الحياة الزوجية بعيداً عن المتطلبات الزوجية المتكررة لاستدامة العلاقات

وتعود لتؤكد قيسي: «يجب عدم اختزال قيمة الحب في يوم وحيد من العام ليكون معياراً للحكم على مدى حب ورومانسية شريك الحياة، فالأفضل للزوجة أن تكون أكثر حكمة وعقلانية وأن تبحث في شريكها.. عن إيجابياته، وتعود لتؤكد: الحب يدوم طوال العام وليس ليوم واحد من العام, فالعلاقة الزوجية لا تحتاج هدية لتعزيز العلاقة لكن ذلك لا يعد مقياساً ثابتاً ويختلف تأثيره من شخص إلى آخر، والكثير من الأزواج يتجاهلون أثر الهدية بعد الزواج من دون أن يدركوا أهميتها بتغذية المشاعر، والهدية مهمة ومطلوبة من الناحية النفسية، لكونها تعبر عن التودد والعاطفة حتى لا تصبح الحياة رتيبة, من دون أن يطلب ذلك. لكن للأسف بعض الأزواج يتناسون أو لا يهتمون بالمناسبات الخاصة التي تنتظر فيها الزوجة “الاهتمام قبل الهدية” وإن كانت هي تستطيع أن تسعد نفسها بالتسوق أو شراء أشياء تفرح قلبها فلا بأس من أن يهتم الزوج أو يشتري ولو شيئاً غاية في البساطة. وتعود لتشدد على أن الزوجة في تلك الحالة تهتم بردود الأفعال من زوجها أكثر من اهتمامها بالهدية, سواء في عيد زواجهما, ويوم الحب وعيد ميلادها وما إلى ذلك.
بعض الزوجات كانت لهن وجهة نظر مختلفة ومن زاوية أخرى.. حسب رأي (الخالة أم رستم) التي أكدت لـ” تشرين” أنه في وقتنا الحالي أصبح شراء كيلو لحمة حلماً لبعض ذوي الدخل المحدود أو ربما الذين ليس لديهم دخل أساساً، فلقمة العيش مغمسة بأوجاع وحسرات الكثيرين، وتضيف مبتسمة: “كيلو لحمة أطعم ولادي أحسن من وردة علقها ع تيابي” .
وأخيراً تنوه د. قيسي إلى أنه على سبيل التنويع، يفضل من وقت إلى آخر أن يقدم كل من الزوج والزوجة للطرف الآخر هدية وذلك من دون مناسبة لكي يشعره بأنه يتذكره، كما أن الهدايا من الممكن أن تلخص الكثير من مشاعرنا الفياضة ناحية شريك الحياة».
وتشدد قيسي على أن تأثير الهدايا لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بثمنها المادي وحجمها وشكلها الخارجي، وإنما تأثيرها بحسن اختيارها وإتقان تقديمها والرسائل العميقة تكمن ما بين السطور، حيث إن الاهتمام بالمناسبات الخاصة بين الأزواج له أهمية كبيرة في بناء علاقات زوجية قوية ومستدامة وتعزز التواصل والتفاهم بين الشريكين، وتعمل على تجديد حميمية العلاقة وتعزيز الرومانسية والمشاعر الإيجابية.
كما أشارت إلى أن استثمار الوقت والجهد في التخطيط والاحتفال بالأوقات الخاصة مع الشريك يعكس اهتماماً حقيقياً بالعلاقة ورغبة في تعزيزها.

لذا، يجب أن نقدر اللحظات التي نقضيها مع شركائنا، وفق رأي شحادات، ونسعى دائماً لإضفاء البهجة والحب على حياتنا الزوجية من خلال الاحتفال بالأوقات الخاصة، سواء كان ذلك بمناسبة عيد زواج أم تحقيق إنجازات مشتركة، أو حتى الاستمتاع بأوقات هادئة ومميزة معاً، لجعل استقرار العلاقات الزوجية قائماً على الحب والاحترام المتبادل والسعادة المشتركة لسنوات قادمة والهروب من فوضى الأعذار.. و السقوط في تفاصيل الاهتمام.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار