ألتمس منكم العذر
بدا متثاقلاً وهو يلملم أشياءه، وكأنه لا يرغب أن يبرح المكان، كيف لا وقد أمضى في أروقته أكثر من نصف سني عمره، لكن لا مناص فقد حلّ سن التقاعد، ولا مجال لأي تمديد.
وأثناء خروجه اقترب مني، حيث أعرفه بحكم عملي منذ سنوات طويلة وقال: آمل أن يصل اعتذاري لكل عاتب أو منتقد لي أثناء عملي الوظيفي، فما بدا مني من تصرفات نزقة أو مشوبة بالتراخي أحياناً ليست من طباعي، لكنها انعكاس لضغوطات الحياة، حتى قبول “الإكرامية” المقدمة عن طيب خاطر المراجع وليس من باب ابتزازه، لم يكن طمعاً بتكوين ثروة أو اقتناء منزل وسيارة، بل لسد جزء يسيرٍ من متطلبات العيش وإيجار السكن المرهقة.
إذا استمزجنا الآراء حيال ما سبق، قد لا نجمع فيما إذا كان هو من عليه الاعتذار أم ينبغي على جهته العامة أن تعتذر له، كما ولسنا هنا في وارد تبرير أو إدانة حالة هذا المتقاعد التي تُقاس على أكثر الموظفين في معظم المديريات.
ما نودّ التوقف عنده هو التساؤل المشروع: لماذا لا يسمح بالتمديد لمن بلغوا سن التقاعد؟ أو لماذا لا يتم رفع سن التقاعد أمام من يرغب ولا تزال عنده المقدرة على العطاء؟ علماً أن فارق الأجر الذي تتحمله الحكومة لقاء ذلك زهيد جداً، بينما المردود المتحقق كبير يتجسد بالحفاظ على الكفاءات والخبرات والكوادر الوظيفية بشكل عام، وخاصةً في ظل عدم إمكانية تعويض المتسربين بالتقاعد والاستقالة والترك الكيفي، بسبب عدم الإقبال على الوظائف لتدنّي الأجور والرواتب.
إن فقدان الكوادر البشرية لم يعد يهدد فقط بتدنّي مستوى الأداء وتأخر إنجاز الأعمال التي يتأثر بها المواطن مباشرةً، بل يهدد بإغلاق بعض المديريات، ومثالها مديرية اقتصاد درعا، التي صدر مؤخراً قرار بوقف تقديم خدماتها لعدم كفاية موظفيها، وكلفت مديرية دمشق وريفها المماثلة بأداء مهامها، الأمر الذي يرتب أعباء كبيرة على المستفيدين من خدماتها، وحال الإغلاق هذا قد يطول مديرية الصناعة أو غيرها في المستقبل القريب للسبب نفسه، فهل يستمر عدم الاكتراث بالمشكلة أم سينظر بمعالجتها قدر الإمكان للحفاظ على استمرار عمل المديريات، كأن يتم السماح بالتمديد أو رفع سن التقاعد لمن يرغب؟ نأمل ذلك.