أربعة أشهر تفصل الأميركيين عن معرفة المرشحَين النهائيين اللذين سيخوضان الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني المقبل، وإذا لم تحدث مفاجآت فإن بايدن وترامب هما المرشحان، أما المفاجآت فهي متوقعة على ضفة الديمقراطيين ومرشحهم بايدن، فيما ترامب يبدو خياراً نهائياً مع فوزه أمس على نيكي هايلي، آخر منافسيه الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية ساوث كارولينا.
ومع استطلاعات الرأي التي باتت تصطف مؤخراً لمصلحة ترامب، وبفارق خطير ضد بايدن، فإن الحزب الديمقراطي بات أكثر انحشاراً لناحية الاستمرار في الإبقاء على بايدن مرشحاً نهائياً أم استبداله بآخر، خصوصاً مع تحوله إلى مادة، تهكم وتندر، يومية لوسائل إعلام أميركية ودولية، مع كثرة سقطاته العقلية والجسدية، والتي يبدو معها مستنفداً الصلاحية بما يوجب على الديمقراطيين استبداله وإلا فإنهم يخاطرون بخسارة الانتخابات الرئاسية.
معظم التوقعات تتجه إلى أن الديمقراطيين بصدد استبداله، لذلك نجد كل هذا الحديث حالياً عن المرشحِين المحتملين للحلول محل بايدن، مع التركيز على اثنين هما نائبته كامالا هاريس، وميشيل أوباما «زوجة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما»، ومع الحديث أيضاً عن أن ميشيل أوباما ليست في وارد الترشح فإن الخيار يستقر على هاريس، وبصورة عامة فإن الحديث عن هاريس لخلافة بايدن انطلق فعلياً منذ فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية 2020 حيث كان من المتوقع ألا يكمل ولايته الرئاسية بسبب مشكلاته الصحية غير القابلة للإخفاء أو التستر عليها أو تسويغها، وبالتالي فإن نائبته هاريس ستكمل ولايته لحين موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.. لكن هذا لم يحدث، واستمر بايدن، فيما اليوم يُعاد طرح اسم هاريس لخلافته في الترشح ومنافسة ترامب.
دخول هاريس السباق الرئاسي قد يرفع حظوظ الديمقراطيين، خصوصاً أنهم يواجهون ضغوطاً كبيرة لناحية التخلي عن بايدن، حيث يبدو بصورة الخاسر مسبقاً فيما ترامب قادم إلى البيت الأبيض «بسرعة قطار شحن» وفق تعبيره.
هذا بخصوص السباق التمهيدي، أما بخصوص السباق النهائي في الخامس من تشرين الثاني المقبل، فإنه هذه المرة مرتبط بالكثير من التطورات الدولية، وبما بات متفقاً عليه لناحية الأحداث غير المتوقعة والتي باتت تؤثر بصورة مباشرة في سير الانتخابات ومن يفوز فيها، ويبرز هنا مباشرة الشرق الأوسط وما تعانيه أميركا من صعوبة هائلة في الاحتفاظ بالنفوذ والوجود، خصوصاً مع انفجار جبهة غزة في 7 تشرين الأول الماضي والتي ما زالت مفتوحة على الكثير من الاحتمالات الخطيرة إقليمياً، وتالياً على أميركا.
وغير خافٍ كيف يستخدم الجمهوريون وترامب كل ذلك في معركة الانتخابات الرئاسية لمهاجمة خصمهم وتحميله كامل المسؤولية عما آل إليه حال أميركا دولياً، متجاهلين أن الانحسار الأميركي العالمي لم يبدأ في عهد بايدن، بل كان عهد بايدن الانعكاس الأوضح لنتائج السياسات الأميركية للإدارات الأميركية المتوالية، الجمهورية والديمقراطية، والتي أخفقت في التعامل مع مسار الأحداث والتطورات العالمية خصوصاً في العقدين الماضيين.. صعود الصين لم يبدأ في عهد بايدن على سبيل المثال، وعودة روسيا قوة دولية لم يبدأ في عهد بايدن، وما يشهده العالم من تحولات اقتصادية جذرية، وما يشهده الشرق الأوسط من تغيير في مساراته الجيو اقتصادية، لم يبدأ في عهد بايدن.. وغير ذلك كثير، هذا ليس تبرئة لإدارة بايدن، بل هي جزء من الإخفاق وليست كله.. وأن يتم تقديمها على أنها كل الإخفاق فهذا سيكون مقتل الجمهوريين في حال فوزهم، ومقتل جديد لأميركا إذا كان الجمهوريون مقتنعين فعلاً بذلك وعملوا على أساسه.
المهم من كل ما سبق، أن العالم لم يَعُد يحبس أنفاسه مع كل انتخابات أميركية، لقد بات أكثر استرخاء وثقة بقدرته على التعامل مع كل إدارة أميركية أياً كانت، جمهورية أم ديمقراطية.. وعلى المواجهة والفوز، وتوجيه المزيد من الضربات ضمن مسار تحييد أميركا عن الزعامة العالمية لمصلحة قوى وخصوم باتوا أكثر تكتلاً وقوة.
مها سلطان
57 المشاركات