الخطيرُ والأخطرُ مازالَ تحت الأنقاض

ليستْ مجرّدَ حربٍ انتقاميّة؛ بل هي فصولُ سيناريو كان مؤجّلاً، ويبدو أن وقتَ التنفيذ قد حانَ بتوقيت أحفاد «هرتزل» و«بن غوريون» .
لا يمكنُ لعاقلٍ أن يتعاطى مع ما يجري في غزة اليومَ إلا وفقَ هذه الرؤية، فالواضحُ أن ثمة عزماً على تغييرٍ عميقٍ في بنية المشهد العام هناك، وخريطةً جديدةً لا تقفُ إحداثيّاتُها وآثارُها داخلَ مضمار الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
فأنْ تُحرّكَ الولاياتُ المتحدةُ الأميركيّة أسطولَها، وتأتي به إلى مياه المتوسط، ثم يتبعُه «بايدن» على الرغم من «خَرفه» وتداعي قواه العقليّة والجسديّة، ومحاولاتُ فرض مظلّة حماية لصيقةٍ للكيان الصهيونيّ، وما رافق ذلك من تصريحاتٍ تصعيديّة أميركيّة وأوروبيّة غربيّة، وكلُّ المستجدات التي تبدو أكبرَ وأعقدَ بكثيرٍ من الحدث؛ تؤكد أن المسألة تتعدّى مجردَ الردع والانتصار، معنوياً وعملاتياً، للكيان ضد مقاومةٍ فلسطينيّة، تكرّرت المواجهةُ معها مراراً، وعلى نحوٍ لا يقل حدةً عما يجري اليومَ، فلمَ كلُّ هذا التصعيد والاستعراض إذاً؟!
السيناريو الذي يجري الحديثُ عنه اليومَ، هو تنفيذُ مشروع قناة «بن غوريون» بين البحرين الأحمر والمتوسط، والمطلوبُ إزالةُ غزّة عن الخريطة؛ لأنها الواجهةُ المفترضة للقناة على المتوسط، وهي العائقُ الجغرافيُّ الوحيدُ الذي أجلَّ المشروعَ كبديل لقناة السويس، وهذا يستوجب نقلَ سكان القطاع – مَنْ سيتبقى منهم على قيد الحياة – إلى سيناء، سيناء غنيمة الانتصار المصريّ في حرب «تشرين» التي حرّرها الأشقاءُ، واستعادوها بغضّ النظر عن الوسيلة.
وإن تحدّثنا بلغة المصالح، بعيداً عن الاعتبار الرمزي القوميّ، فإنّ مصر تبدو أكبرَ المتضرّرين من مشروع القناة الجديدة؛ لأنها بديلٌ لقناة السويس؛ أهمّ مصادر الدخل الوطنيّ المصريّ بعد السياحة، بل ربما قبلها، إضافةً إلى أن مصر ستكون أمامَ استحقاق توطين نحو مليونيّ فلسطينيّ، ستهجّرهم المكيدةُ الصهيونيّةُ إلى سيناء.
هذه الحقائقُ تحفّز كلَّ مراقبٍ ومحللٍ اليوم، على ترقّب ردّ فعل الأشقّاء المصريين، وكيف سيتعاطون مع مخططٍ صهيونيّ خَطِرٍ؛ يتوعّدهم بأهمّ مصدرٍ لرزقهم، ولاسيما أنّهم مازالوا يعيشون ذروةَ الصراع مع أثيوبيا – المدعومة صهيونيّاً – بسبب «سدّ النهضة» الذي سيقلّصُ حصةَ مصر من نهر النيل، وهذا الأخيرُ هو شريانٌ رئيسٌ من شرايين الحياة هناك.
لن نسألَ عن مواقف «الأشقّاء» العرب المستفيدين، اقتصاديّاً، من مشروع «بن غوريون»، لكنْ، على حدّ علمنا أن الاعتبارات القوميّة أهمُّ من الاعتبارات النفعيّة؛ لأنَّ الأولى مصيريّة والثانية طارئةٌ ومتغيّرة، خصوصاً أن الجميع متيقّنٌ من أن أيّ شراكةٍ مع الصهيونيّ هي ارتهانٌ له، وهذا خطأٌ قاتلٌ، ستدفع ثمنَه الأجيالُ إلى ما شاء اللهُ.
ماجرى، ويجري في غزة، وما يخطّط للقادمات من الأيام ، على الرغم من أنه كارثةٌ، هو فرصةٌ لموقفٍ عربيٍّ موحّد؛ لأن العربَ، كلّ العرب، أمام تحدٍ مصيريٍّ.
هذه قراءةٌ للمشهد بنبوءاته القريبة.. وكمْ نتمنّى أن تكونَ رؤيتُنا خاطئةً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار