عقد وثلاث سنوات استهلكتها الحرب الكونية من عمر بلدنا, دمرت فيها أدواتها من عصابات مسلحة وإرهاب دولي ما دمروه وخربوه من البنى الاقتصادية والخدمية وحتى النفسية والحالة الاجتماعية للمواطن، بسبب أفعال ارتكبت غريبة عن مجتمعنا وعاداتنا, والأخطر حصار اقتصادي طال كل مقدرات الدولة ومقوماتها الاقتصادية, وفرض حالة من الشلل لمعظم القطاعات وخاصة العامة منها، ما أدى إلى تدني مستوى المعيشة وجنون في الأسعار، وفقدان المزيد من السلع, وحالة العجز التي سيطرت على مؤسسات الدولة في تقديم الخدمات رغم كل ما تقدمه، لأن الحاجة تفوق أضعاف ما هو متوافر لديها وخاصة لجهة ما يسمى التدخل الإيجابي الذي توحد في ذراع واحدة..!
وهنا لا نريد التقليل من أهمية هذا التدخل بقدر ما نريد التأكيد على فكرة كنا طالبنا فيها مراراً وتكراراً لرفض فكرة دمج المؤسسات التي كانت تقدم خدمات اجتماعية واقتصادية في الوقت نفسه، نذكر منها( التجزئة – الاستهلاكية – الخزن والتبريد – سندس – باتا..) جميعها كانت أذرع الدولة في السوق, والآن أصبحت ذراعاً واحدة، فهل تفعل هذه فعل تلك المؤسسات دفعة واحدة..؟!
بالتأكيد أن تحارب بيد واحدة أو بخمس، وبسلاح واحد أو بعشرة ..!؟ بالتأكيد الفارق كبير, وهذا ما ظهر جلياً خلال سنوات الأزمة والحرب الكونية, وحالة الحصار الاقتصادي، والحاجة الماسة لأذرع الدولة التي كانت تجوب الأسواق بصالاتها المتعددة ومنافذ تسويقها، والحاجة أكثر لزيادة فاعلية القطاع العام وإعادة تموضعه الحقيقي , ضمن التركيبة الاقتصادية المتنوعة والتي تشكل بنية الاقتصاد السوري وخاصة مؤسساته الاقتصادية التي شهدت حالة من الترهل(المقصود أو غيره.!) على امتداد العقود الماضية, ولاسيما المؤسسات التي حملت تقديم الخدمات الاجتماعية والتسويقية من دون تحقيق الغاية الأساسية من وجودها, نتيجة اختلاف القائمين على إدارتها تجاه الأسلوب والطريقة التي تتعامل بها مع السوق، وخاصة بعد أن أثبتت التجربة فشل عملية الدمج التي نقلت المؤسسات من حالة التخصص في العمل إلى العموم التسويقي ..!
وهنا لا نريد أن نقلل من أهمية تلك المؤسسات بقدر ما نريد تحقيق فاعلية أكبر من خلال إعادة النظر في عمليات الدمج، وعودة المؤسسات التسويقية المتخصصة إلى الميدان، ولعب دورها في تأمين حاجة السوق وفق منظور اقتصادي متكامل، لا يحتاج للاجتهادات بقدر ما يحتاج إلى المرونة في الحركة وتلبية المطلوب في الظرف والزمان اللذين تفرضهما الضرورة والحالة الاجتماعية والاقتصادية في الوقت ذاته، لأن ما ظهر من تراجع خلال الأزمة وعدم قدرة المؤسسات الحالية على التجاوب بفاعلية أكبر تفرض السيطرة فيها على الأسواق، أكد حالة الانكشاف والضعف في التعاطي مع المستجدات وتلبية المطلوب، وترك الأسواق لتجاذبات وأهواء التجار، يرافقها ضعف أكبر في تراجع الأداء الرقابي والسيطرة على الأسعار ..!
وما يحدث في الأسواق يؤكد بطلان عمليات الدمج، وصحة نظرية الأذرع المتعددة في السوق، أو ما نسميها مؤسسات التدخل الإيجابي سابقاً..!
وبالتالي الواقع الحالي يفرض عودتها لتجاوز حالة الضعف والتراجع في الأسواق لما يسمى التدخل الحكومي، وهذه العودة تحمل هوية جديدة بشركات تسويق متخصصة أكثر في العمل تحت إشراف جهاز حكومي يتمتع بصلاحيات واسعة أهمها النزاهة والصدق في التعاطي الأخلاقي والقانوني في الأسواق، فهل تفعلها الحكومة وتعيد النظر في آلية تدخلها في الأسواق ..؟!
Issa.samy68@gmail.com