حزب الله يوسع حزام النار حول الكيان ويدفعه إجبارياً باتجاه «التوقيع».. نتنياهو يعلن موافقة مبدئية.. وحديث إعلامي عن اتفاق خلال أيام؟!
تشرين – مها سلطان:
خمسمئة صاروخ، باعتراف الكيان الإسرائيلي، انهمرت طوال ليلة أمس من الشمال إلى المركز «تل أبيب» لتفرض حزاماً نارياً، عسكرياً (وسياسياً) طوّق حكومة متزعم الكيان بنيامين نتنياهو، وأجبرها على إعلان موافقة مبدئية على المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار على جبهة لبنان.. ورغم أنها قد تكون مناورة جديدة إلا أن هذه الموافقة بحد ذاتها لا يمكن قراءتها (حالياً) إلا من باب التنازل والانهزام تحت ضغط قصف المقاومة اللبنانية/حزب الله، المتواصل المكثف واليومي والذي وصل ليلة أمس إلى ذروته عبر إطلاق مئات من الصواريخ التي كسرت بحدّة وحسم حالة التكتم الإعلامي الشديد التي يفرضها الكيان الإسرائيلي.
لقد كان الحدث أكبر من قدرة الكيان على التعمية والتغطية، فكان أعجز- من كل مرة- عن التبرير أو الهروب باتجاه إطلاق أقصى التهديدات، أو باتجاه توسيع وتعميق عمليات القصف على الجنوب أو الضاحية الجنوبية.
حديث عن اتفاق خلال أيام ونتنياهو يناور على صِيَغِ الشروط الإسرائيلية.. قوة نارية غير مسبوقة لحزب الله تكسر التكتم الإعلامي الشديد على خسائر الكيان المادية والعسكرية
وهنا يمكن قراءة ما سرّبه الإعلام الإسرائيلي اليوم حول تهديد الموفد الأميركي آموس هوكشتاين «بالانسحاب من الوساطة في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار قريباً».. يمكن قراءته من باب تحسين الموقف العام للكيان لناحية القبول، ولو مبدئياً، بالاتفاق، إذ إن نتنياهو مطلوب منه بشكل أساسي التوجه إلى المستوطنين ومخاطبتهم بطريقة لا تظهره بمظهر المهزوم بعد ما يقارب الشهرين من العملية البرية ضد لبنان، وحسب الإعلام الإسرائيلي فإن حكومة نتنياهو «تعمل على صياغة طريقة لعرض الاتفاق على الجمهور الإسرائيلي».
اتفاق خلال أيام..؟!
وتقول هيئة البث الإسرائيلية «كان» إن نتنياهو يسعى إلى تقديم الاتفاق كخطوة تخدم مصلحة «إسرائيل» وليس تنازلاً، زاعمة أن الاتفاق «يسمح لها بتنفيذ عمليات عسكرية عبر الحدود اللبنانية- السورية».
وتنقل الهيئة عن مسؤول إسرائيلي لم تكشف هويته قوله: إن الضوء الأخضر لم يُمنح بعد لتنفيذ الاتفاق، إذ لا تزال هناك قضايا عالقة بحاجة إلى حل، لكنه أكد أن التوجه العام لإسرائيل هو المضي قدماً نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان.
وحسب القناة 14 الإسرائيلية فإن الكيان سيوقع اتفاقاً مؤقتاً مع الولايات المتحدة قبل الانتقال إلى اتفاق دائم مع لبنان، حسب ما نقلت عن مصدر إسرائيلي وصفته بأنه رفيع المستوى.
وكانت القناة 13 الإسرائيلية، قد أفادت مساء أمس الأحد بأن هوكشتاين، هدد بالانسحاب من الوساطة، في حال لم يتم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار خلال أيام. ونقلت عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن هوكشتاين مرّر تهديده إلى المسؤولين الإسرائيليين مباشرة عبر السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايك هرتزوغ، وقالت: تم استلام الرسالة، ولكن لم يتضح ما إذا كان هذا موقفاً أميركياً رسمياً أو ضغطاً على إسرائيل ولبنان.
وبدأ هوكشتاين جولة تفاوض جديدة الثلاثاء الماضي من لبنان، ثم توجه إلى الكيان حاملاً «مسودة اتفاق كاملة»، حسب تصريحات مصدر سياسي لبناني لوكالة «سبوتنيك» الروسية، معتبراً أن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي.
شروط على الشروط
وعلى ذمة موقع «أكسيوس» الإخبار الأميركي، فإن الولايات المتحدة وافقت على منح الكيان ضمانات تتضمن «دعماً للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد التهديدات الوشيكة من الأراضي اللبنانية» و« اتخاذ إجراءات لتعطيل أشياء مثل إعادة تأسيس الوجود العسكري لحزب الله بالقرب من الحدود أو تهريب الأسلحة الثقيلة»، وبموجب الاتفاق «ستتخذ إسرائيل مثل هذا الإجراء بعد التشاور مع الولايات المتحدة وإذا لم يتعامل الجيش اللبناني مع التهديد».. بمعنى أن ما قيل عنه بأنها شروط إسرائيلية «متعلقة بحريّة العمل العسكري في لبنان في أي وقت» سيتم تمريرها مشروطة بالتشاور المسبق مع الولايات المتحدة، وبانتظار موقف الجيش اللبناني، لكن هذا التمرير المشروط من السهل على الكيان الإسرائيلي انتهاكه، ولن يَعدم الذرائع في سبيل ذلك.
الإعلام الإسرائيلي يقول إن التوجه العام داخل الكيان يمضي نحو اتفاق لوقف إطلاق النار بغضّ النظر عن قضايا لا تزال عالقة
وحسب ما تنشره وسائل الإعلام فإن اتفاق وقف اطلاق النار، يتضمن فترة انتقالية مدتها 60 يوماً، ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وينتشر الجيش اللبناني في مناطق قريبة من الحدود وينتقل حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، كما يتضمن مشروع الاتفاق لجنة إشرافية بقيادة الولايات المتحدة لمراقبة التنفيذ ومعالجة الانتهاكات.
ليلة الصواريخ
وفي تفاصيل ليلة الصواريخ، فإنها كما بدا واضحاً وحاسماً للجميع، أسقطت رهانين إسرائيليين: الأول هو الرهان على القوة المفرطة لدفع حزب الله للتنازل والاستسلام، سواء تحت الضغط العسكري (أو السياسي). والرهان الثاني أنها لم تقضِ على مقدرات حزب الله، لا على المستوى العسكري ولا على المستوى البري، فما زال حزب الله يحتفظ بقوة عسكرية/صواريخ ومسيّرات/ بدا أن مخزونها لا ينقص أبداً، رغم كل ما يُعدده الكيان الإسرائيلي يومياً لناحية أن غاراته العدوانية على الجنوب والضاحية وبيروت والمعابر والطرق والنقاط الحدودية، قضت على ثلثي هذا المخزون، وأن الحزب قاب قوسين من رفع الراية البيضاء، لكن ليلة الصواريخ أمس أحرجته على مستويين: الأول في الداخل، والثاني على المستوى السياسي/العسكري، بحيث بدا الكذب جلياً ومثبتاً بين خطاب نتنياهو ومسؤوليه العسكريين وبين ميدان يؤكد كل يوم أن حزب الله لن يزول ولن يُهزم.
شروط أميركية على الشروط الإسرائيلية لإلزام الكيان بالاتفاق لكنها شروط سهلة الانتهاك ولن يعدم الكيان الذرائع في سبيل ذلك
وعليه، بدأت الأصوات داخل الكيان ترتفع بصورة أعلى وأكثر تأثيراً مطالبة بوقف الحرب في لبنان، ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن عاموس هارئيل محلل الشؤون العسكرية قوله: إن حكومة نتنياهو تقوم بالتباهي والتفاخر بالانتصارات في لبنان، ولكن على أرض الواقع بات المستوطنون رهائن صواريخ ومُسيّرات حزب الله.
وباعتراف الإعلام الإسرائيلي فقد نجح حزب الله في فرض حزام ناري على تل أبيب وضواحيها، ما أدى إلى وقوع إصابات وأضرار بالغة، وحبس ملايين المستوطنين في الملاجئ، مشيراً إلى أن صفارات الإنذار دوت 504 مرات، وأكد أن حزب الله أطلق منذ صباح أمس الأحد حتى الساعات الأولى من مسائه، أكثر من 400 صاروخ على كل أنحاء الكيان، وقالت هيئة البث الإسرائيلية/كان (التابعة للجيش الإسرائيلي): «نيران حزب الله اليوم غير مسبوقة على الإطلاق».
حزب الله نجح في فرض حزام ناري من الشمال إلى قلب الكيان ويواصل حبس ملايين المستوطنين في الملاجئ.. ومعهم حكومة نتنياهو
وأضافت: إن كمية إطلاق الصواريخ هي 3 أضعاف، وانتشار الصواريخ كان على طول الشمال وفي عمق الكيان ووصلت أيضاً إلى المركز، حيث ضربت «بيتاح تكفا» البعيدة عن تل أبيب، كما ضربت «إلعاد» و«شفاييم» قرب «هرتسليا»، حيث أصيب مبنى بصورة مباشرة، بينما سقطت 5 قذائف في منطقتي «هشارون وغوش دان» أي في تل أبيب/مركز الكيان.
وحسب القناة 12 الإسرائيلية فإن صواريخ حزب الله سقطت في الكثير من المناطق «ومنظومات الدفاع الجوي اليوم ببساطةٍ لم تعد تعمل كالمعتاد»، بينما لفتت قناة (كان) إلى أنّ «روتين الاستنزاف الذي يقوم به حزب الله هو في ذروته اليوم، ويمكن أنْ يستمر إلى وقت طويل».
«المسافة صفر»
وفيما تتواصل الغارات الجوية الإسرائيلية، مستهدفة الضاحية الجنوبية بصورة مكثفة، أقر الكيان الإسرائيلي بخسائره الفادحة في عمليات التوغل البري، بينما عرض الإعلام الإسرائيلي الاشتباكات من «المسافة صفر» التي تحصد المزيد من جنود الكيان، مستشهداً بتفاصيل معركة عيترون التي وصفها بالأكثر دموية والتي استمرت 14 ساعة.
وكشف مسؤولون كبار في جيش الكيان لصحيفة «هآرتس» النقاب عن أنه خلافاً للتقارير الإعلاميّة حول عدد القتلى في صفوف حزب الله، فإنّه منذ التوغّل الإسرائيليّ البريّ قبل حوالي الشهريْن قُتِل عشرات من (حزب الله) وليس مئات، مشيرين إلى أنه أكثرهم قضى في عمليات قصف جوي وليس خلال المعارك البرية، لافتين في الوقت عينه إلى أنّ جيش الاحتلال تكبّد خسائر جسيمة، لأنّ رجال الحزب كانوا ينصبون لهم كمائن في القرى الجنوبية وينقضّون عليهم، ودارت المعارك في كثيرٍ من الحالات من المسافة صفر.
ونشرت «يديعوت أحرونوت» تفاصيل معركة عيترون العنيفة منذ نحو شهر، واعتبرتها المعركة الأكثر دموية والأطول وانتهت بمقتل 6 جنود إسرائيليين وإصابة 14 آخرين.
ولفتت الصحيفة التي اعتمدت في تقريرها على مصادر عسكريّةٍ مطلعةٍ في تل أبيب إلى أنّ «معركة عيترون دامت نحو 14 ساعة بين الاشتباكات والبحث عن القتلى والجرحى»، وقالت: في تلك المعركة دخلت قوة من الجيش الإسرائيليّ إلى منزل مهدّم في عيترون، وكان هناك عنصران من حزب الله كمنا للقوة، وبمجرد دخولها فتحا النار عليها فسقطت القوة جميعها بين قتيل وجريح.