تثبت الأحداث الاقتصادية الدولية المتتالية منذ عقود أن دور الولايات المتحدة الأمريكية لا يقتصر على تخريب العالم في المجالات كافة سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً واقتصادياً، بل استنزاف وسرقة مقدرات الشعوب عن طريق الاحتلال المباشر ووضع اليد، أو باختراع الأزمات الكارثية في نظم اقتصادية أنشأتها وعممت معاييرها وقيودها على البشرية وفي لحظة واحدة يتم اكتشاف ثغرات تبدد مليارات الدولارات وتلحق أفدح الخسائر بالدول الحليفة لها قبل غيرها..
حالياً المصارف العالمية تتجه إلى نفق مظلم بعد انهيار مصرف وادي السليكون إذ بدأت العدوى في المصارف السويسرية والآن الألمانية وبما أن النظم المصرفية الدولية منسوجة لخدمة الشركات الأمريكية فإن الأمر المحتوم هو إصابة أغلب النظام المصرفي العالمي بأزمات خلال الفترة القادمة، وأثر هذه الأزمة لن يقتصر على ذلك بل سيمتد إلى أسواق النقد بما أن معظم الاحتياطيات النقدية الدولية مقيمة بالدولار.
هذه الأزمة تذكرنا بالعام ٢٠٠٧ عندما تبخرت تريليونات الدولارات في الدول التي وثقت بالمنتج الأمريكي القائم على المشتقات المالية Derivatives ووسعت من القروض المصرفية دون مراعاة المخاطر المالية العالية الناجمة عن الوثوق بأوراق مالية تم تسويقها أنها ستحقق أرباحاً كبيرة، كما أن أزمة العملات المشفرة التي قضت على مدخرات دول ومستثمرين خلال العام الماضي لا تزال آثارها مستمرة حتى الآن…
ما يهم في الموضوع أن الاقتصادات التي سارت وفق ما سوقت له أمريكا وابتعدت عن الإنتاج الحقيقي منيت بعدم الاستقرار الاقتصادي وسيكون مصيرها اكتناز أوراق لا قيمة لها مستقبلاً، وهذا ما نتلمس آثاره السلبية في بلدنا عندما انتهجنا اقتصاد الخدمات والاندماج في نظم العولمة وتركنا زراعتنا وصناعتنا تواجه “فيروسات” اقتصاد الخدمات بلا حماية أو دعم.
صحيح أن الاندماج في الاقتصاد الدولي كان أمراً ملحاً في حقبة زمنية معينة، لكن الآثار التي نشاهدها حالياً في المشهد العالمي وحتى المحلي تؤكد أن العودة إلى عناصر الإنتاج الحقيقي وتدعيمها يجب أن تكون من الأولويات، ونحن نمتلك كل ما يلزم ومن الضروري إعادة تفعيله قبل فوات الأوان..
باسم المحمد
70 المشاركات