توازن الخطة
لا نأتي بجديد عندما نشير إلى أن هناك خطة إنتاج زراعي للخضار كما باقي المحاصيل يتم إقرارها سنوياً على مستوى كل محافظة، ومن المفترض أنها تعتمد معايير تراعي تصنيف الأراضي والمتوفر من مصادر الري والاحتياج من مختلف المحاصيل، لكن السؤال الملح هنا: هل تجد تلك الخطة سبيلها للتطبيق؟
يأتي في مقدمة العوامل المثبطة لتنفيذ خطة الخضار، تضخم تكاليف مستلزمات الإنتاج وخاصةً المستورد منها ولا سيما الأسمدة الآزوتية والبذور والمبيدات، حيث يتسبب ذلك بعدم مقدرة الكثير من المزارعين البسطاء مادياً على استثمار كامل المساحات المتاحة لديهم.
يلاحظ أيضاً أن الواقع يجافي المقرر على الورق إلى حد كبير، لأن معظم المزارعين لا يلتزمون بالخطة، وكل منهم يلحق بركب زراعة النوع الذي يعتقد أن فيه مصلحته، وحافزه في الاختيار أو زيادة المساحة التي يزرعها من نوع ما أكثر من غيره يتشكل غالباً وفق ما رصد في الموسم السابق من زيادة في الطلب عليه وارتفاع سعره إلى مستويات مجزية، وهذا التصرف بالطبع ينطوي على عشوائية نتائجها غير محمودة أبداً، إذ يعني زيادة في إنتاج محصول ما أكثر من الحاجة على حساب محاصيل أخرى، ويكون مآله الكساد وخسارة كبيرة للفلاح وخاصة في حال لم يجد منافذ تسويق خارجية، فيما سيحدث بالمقابل خلل في توازن وفرة بعض المحاصيل الأخرى في الأسواق وتفاقم أسعارها.
لم تكن مثل هذه التجاوزات على الخطة ذات قيمة قبل عقد ونيف من الزمن، حين كان هناك اتساع في المساحات التي تزرع بمختلف محاصيل الخضار لوفرة المصادر المائية والمستلزمات وانخفاض تكاليفها، ولم تكن هناك مشكلة بتغطية احتياجات السوق المحلية بل كان هناك فائض لا يعسره الوصول للأسواق الخارجية، لكن مع انحسار مصادر الري نتيجة قلة الهطلات المطرية في السنوات الأخيرة وتضرر العديد من شبكاتها، فإن مساحات أخرى ليست بقليلة لمحاصيل الخضار خرجت من الخدمة أيضاً، ما يجعل أي خلل في موازنة المساحات المزروعة بمختلف الخضار الآن سبباً مباشراً لنقص إنتاج محاصيل مقابل زيادة في أخرى بشكل يضرّ بالمزارعين والمستهلكين في آن معاً.
المأمول شمول الخطة للمساحات التي تزرع على الآبار غير المرخصة إيذاناً بصرف مستلزمات إنتاجها الذي يساهم باستقرار وفرة الخضار في الأسواق، وذلك لحين إيجاد حل مناسب بشأنها، فيما ينبغي التركيز على سلوك سبيل الإرشاد والتوعية لا الزجر للتقيد بالخطة من باب أن ذلك يصب بمصلحة المزارعين أولاً وأخيراً، حيث يجنبهم مغبة كساد إنتاجهم والخسائر المترتبة على ذلك، ولا يغيب هنا ضرورة التذكير بضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بخفض تكاليف المستلزمات المستوردة لإسهامه بزيادة المساحات المستثمرة، وتالياً الحدّ من تفاقم أسعار المنتجات الزراعية على المستهلك.