محنة التقليل من الدافع الفكري في ظل التدخل بعالم الإبداع.. الذكاء الاصطناعي نفوذٌ وتخوفات
تحقيق: حنان علي:
يعتبر الذكاء الاصطناعي من أهم وأسرع التطورات التي شهدها العصر الحديث، وقد أثر في مختلف مجالات الحياة من صناعة التكنولوجيا والطب إلى الفنون والثقافة. خاصة بعدما تمكنت البرامج الاصطناعية والتقنيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي أمثال التعليم العصبي والتحليل الرقمي للصور، من توفير مصادر جديدة للإبداع والتوسع في مجالات الفن والثقافة.
كائنات الذكاء الاصطناعي والروبوتات الذكية ما لبثت توفر تجربة إبداعية جديدة للمشاهدين والمستمعين والقارئين، خاصة في ظل التقنيات التي تمكنت إلى حد كبير من إزالة العديد من وظائف البشر وتركت أثرها على الابتكار البشري.
مخاوف ومخاطر
لعلّ مخاطر تدخل الذكاء الاصطناعي التي تمسّ عالم الإبداع لا تُستهل بتقليص الحاجة إلى الفنانين والمبدعين البشريين، ولا تنتهي بإنتاج أعمال فنية تفتقر إلى الأصالة والعمق الإنساني، الإحساس أو التجربة الشخصية. أما الاعتماد على الذكاء الاصطناعي فلن يؤدي إلا لتقليل الدافع للتفكير الإبداعي، حيث يشعر البعض بأن التكنولوجيا يمكن أن تقوم بكل شيء بدلاً منهم. هذا عدا عن سيادة الأفكار الموحدة والافتقار للتنوع والابتكار بالتعبير الفني، الناجم عن استخدام خوارزميات تنتهي بأعمال فنية وثقافية متشابهة. هذا عدا عن التغييرات في الثقافة الشعبية، وفقدان الاتصال الإنساني.
فما دور الذكاء الاصطناعي في عالم الإبداع؟
يجيب الإعلامي السوري أحمد رفعت يوسف، بالقول : “أوجد الذكاء الاصطناعي تحولاً نوعياً جديداً في مسار الحضارة البشرية وهو واحد من التحولات المتسارعة التي ترسم مستقبل البشرية ونمط حياة الإنسان على كوكب الأرض وإمكانية تواؤمه مع هذه التطورات”. منوهاً بأنه مهما بلغ تطور الذكاء الاصطناعي فلن يكون البديل عن الانسان الذي اخترعه لكنه بالتأكيد سيحل بدلاً عنه في الكثير من المهام التي يقوم بها الإنسان العادي اليوم والذي ستصبح مهمته الرئيسية الجلوس خلف الشاشة للتعامل مع عالم الذكاء الاصطناعي ونمط الحياة الذي أوجدها وهذا سيجعل مسار البشرية مرهون بمن يمتلك إدارة الذكاء الاصطناعي ويوجهه ويبني خططه عليه.
عزلة وبطالة
ويتابع بالقول :”هذا التطور الرهيب سيزيد من عزلة الإنسان -حتى وإن كان يعمل ضمن مجموعة- مع ما يترتب على هذا التطور من نتائج سلبية جداً على حياته ومشاعره وإنسانيته مثل البطالة وزيادة العزلة وما تشكله من اكتئاب وميل للانتحار وربما السلوك الإجرامي إضافة إلى الأمراض الناجمة عن ذلك وهذا سينمي الأفكار لدى من يتحكمون بإدارة الذكاء الاصطناعي بعدم الحاجة إلى هذا الكم من البشر.
تأثير على مهنة الصحافة
وبإجابة عن سؤال يخصّ تأثير الذكاء الاصطناعي على مهنة الصحافة وإمكانية حلوله بدل الصحفي يقول يوسف : “التأثير لن يخرج عن نطاق التأثير العام، فلا بد من حضور الصحفي الإنسان، جنباً إلى جنب الاعتماد على ما يوفره الذكاء الاصطناعي من إمكانات لخدمة مهنة الصحافة وهنا ستبرز إشكالية نوع المعلومات الموجودة في ذاكرة الذكاء الاصطناعي ومصدرها ومدى توافقها مع أفكار واهتمامات وتوجهات الصحفيين وانتماءاتهم العقائدية والفكرية في مختلف مناطق العالم مما سيجعل من الذكاء الاصطناعي أرشيفاً ومصدر معلومات ومرجعاً لا غنى عنه للصحفي وليس بديلاً عنه في تناول القضية التي يريد تناولها.”
المواجهة الحكيمة
ويختم مؤكداً : “إن تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنسان فهناك قاعدة لابد من الركون إليها وهي أن أي تطور جديد في مسار البشرية لا يمكن الوقوف في وجهه وهذا يفرض علينا التعامل معه بحكمة وذكاء لزيادة الاستفادة من فوائده والتقليل من سلبياته وهذا منوط بمدى تطور الدول والمجتمعات وقدرتها على مواجهة الوافد الجديد والخطير على حياته”.
تعايش مع الدهشة الاصطناعية
أما الكاتب عبد الله النفاخ فيرى أن الذكاء الاصطناعي ككثير من الاختراعات المحدثة؛ لم تتوانَ عن مفاجئتنا وإحداث تغييرات كبرى في حياتنا: “أدخلتنا في حال من الدهشة والترقب وحتى الفزع أول الأمر، ثم ألفناها وتعايشنا معها من بعد. لكنه يختلف في أنه إنتاج معرفي علمي شامل، قد يغيّر البنية الفكرية والمعرفية للإنسان تغييراً جذرياً”.
عجز إبداعيّ
ولما كان السؤال عن تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال الإبداع عامة ومجال الكتابة الأدبية خاصة فإن الأمر قد يبدو مربكاً وفق النفاخ؛ لأن مفهوم الإبداع في الكتابة الأدبية قائم على الخلق والابتكار، والإبداع لغة هو الإتيان بكل جديد، وكذلك مهمة الأدب المتمثلة بالبحث عن الخفي داخل النفس الإنسانية لاستخراج ما يثير انفعالات وانطباعات جمالية.
وعن مهمة الذكاء الاصطناعي يقول النفاخ إنها : “مهمة تجميعية، فهو يقتطف ويقمّش من كتابات الأولين والآخرين ليقدّم نصاً مجموعاً من أشتات أفكارهم ومشاعرهم وأخيلتهم، لكنه لا يأتي بالجديد المطلق، ولا يملك القدرة على البحث في عمق المكنون الإنساني، وعليه فإنه لن يعدو أن يعين الكاتب الناشئ على تجميع أفكاره، أو يقدّم خدمة لمن يبحث عن أداء فرض دراسي أو واجب تعليمي، لكنه لن يملك أن يؤدي وظيفة الفن الرئيسية، أي استخراج الجمال والشعور من قلب النفس الإنسانية ثم نشره على الناس” .
حيوية الفن الإنساني
ويشير الروائي النفاخ ختاماً إلى أن الذكاء الاصطناعي يستعمل الخوارزميات والتقنيات الرقمية لإنتاج أعمال فنية، وهي مخترعات حديثة قد تبيد بعد زمن ليحل بعدها ما هو أكثر تطوراً، أما النفس الإنسانية، المجهولة أكثر منا هي معروفة فهي قائمة حية منذ بدء الخليقة حتى نهاية الكون، ولن يملك سواها خلق الفن المرتبط بها، فهي وحدها القائمة به المسؤولة عن إنتاجه.
ولا بد من الإشارة في النهاية إلى وجوب تنبه المجتمعات إلى تجارب الماضي واتخاذها للإجراءات اللازمة لضمان تعزيز القدرة البشرية على الابداع وتوفير مصادر دخل متنوعة في مجالات الفن والثقافة. ومع ذلك، يجب أن يتم تحديد أهداف الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتعلقة به بشكل واضح ومتوازن لضمان تحقيق التوازن المناسب بين التطوير والحفاظ على القيم البشرية والتراث الثقافي.