حافزُ الاستجابة
همس في أذني قائلاً من دون أن أثير انتباه أحد ممن حولي .. كلما عايشت أحد مشاهد الحجر، وقد ألقى بكل ثقله وقسوته على البشر تنتابني حالة من الحزن والحنق وتترقرق دموعي وأغصّ بالبكاء.
وأردف صديقي الموجوع بسبب مصابنا الجلل، كما حال كل السوريين: مهما حاولت أن تتمالك نفسك، وتضبط أحاسيسك منطلقاً من التسليم بالقضاء والقدر، فإن الإرادة تخونك فتخور قواك، وتنهار رباطة جأشك، وتصبح ضعيفاً هشاً عاجزاً أمام هول ما حدث.
قلت له وكأني أخاطب نفسي: وإن كنت رجلاً فلا تخجل من البكاء، ولا تداره بل أجهش به مجاهراً.. فهو في مثل ما احتشد في صدورنا من وجع وألم أفضل ما يمكن اللجوء إليه لتفريغ بعض من مكنون همنا وألمنا.
ما يفاقم قهر النفس أن تجد قيمين على بعض الدول، وهم ما زالوا بقلوب متحجرة.. لم ترق أو تلين بالرغم من هول ما حدث للأبرياء في بلادنا .. وكأنهم تجردوا من كل المشاعر والأحاسيس والمعايير الإنسانية.. لكننا بالرغم من كل ذلك ندعو الله ألا يمتحنهم وأهلهم بما أصابنا ليعتبروا، بل أن يهديهم إلى جادة الإنسانية فيرفعوا غيّهم وقيودهم عنا.
في حاضرة البكاء الذي يمثل بلا شك استجابة عاطفية حتمية لشعورنا العميق بالحزن والألم الشديدين، ينبغي ألا نستكين له بل علينا جعله حافزاً قوياً لمواصلة الاستجابة الواقعية عبر المداومة على التكاتف والتعاضد المجتمعي الذي بدا بصور مشرفة في محتلف بقاع الوطن، واستمرار تقديم كل أشكال العون لأهلنا المتضررين من الكارثة حتى يستطيعوا النهوض من جديد، معززين بمشاهد الأطفال الذين بزغوا بمشيئة الله أحياءً من بين أكوام الركام، وكأن ذلك يوحي ببدء حياة جديدة تبعث على التفاؤل في بلادنا.
والمهم أكثر تنسيق جميع الجهود وتسخير كل الإمكانات والمساعدات المتاحة لتصب وفق خطط وبرامج مدروسة في سبيل تخطي التداعيات التي خلفتها الفاجعة، وتأتي في الواجهة بعد الإغاثة والحرص على علاج المصابين حتى الشفاء، ضرورة تأمين المساكن للمنكوبين ممن تهاوت بيوتهم أو تصدعت، توازياً مع تكثيف الضغط بشتى الوسائل والسبل لرفع العقوبات غير الإنسانية التي أنهكتنا جميعاً.