ما إن وقعت كارثة الزلزال, والمصيبة الإنسانية والمادية التي ألمّت إلا وتتالت نداءات الإغاثة من الأهالي وكثرت أفعال الخير، ومد يد العون للمتضررين والمساهمين بعمليات الإنقاذ من كل مكان، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى الخارجي من أهل وأصدقاء وأشقاء وغيرهم كثر، شاركونا الهمَّ والمصيبة وتكريس حالة إنسانية هي ليست جديدة على مجتمعنا، بل هي من ثقافته وجذوره الأخلاقية, ومن قيمه المجتمعية ألا وهي “إغاثة الملهوف” وهذه قيمة أخلاقية لا يدرك طعمها إلّا من يفعلها!
وما حصل على امتداد أرض بلدنا وخارجها شيء لا غرابة فيه، لكن الغرابة هي حالة “الفزعة الكبيرة” التي اعتقدنا أن سنوات الحرب الطويلة، وما اعترى بلدنا من تصدعات في الحالة الاجتماعية والنفسية أننا فقدنا الكثير منها، وما لمسناه نحن كشعب سوري خلال هذه الكارثة, وتعايشنا معه بيومياته وساعاته الطويلة، إصرار هذا الشعب على التمسك بالحالة الاجتماعية التي تجسد الأسرة الواحدة, والتعامل بأخلاق ومد يد العون والمساعدة بصورها المختلفة، لكافة المتضررين وبأشكالها المختلفة المادي منها والعيني لجميع المتضررين من كارثة الزلزال، من دون التمييز بين متضرر وآخر, والأهم سرعة الاستجابة التي ظهرت تحكي قصص وحكايات الإنسانية الخالصة التي نسجت خيوطها فعاليات أهلية وصناعية وتجارية ومواطنون ليسوا محسوبين على أهل الغنى والتجارة وغيرها ممن يمتلكون مصادر دخل تسمح لهم بمشاركة واسعة, وتبقى اللهفة هي سيدة الموقف!
هي تفاصيل كارثة إنسانية عشناها بألمها ومرها وحتى حلوها، يتذكرها الجميع وتحكي عنها أجيال متعاقبة، لكن سؤالي هنا: ملمات كثيرة، ومصائب كبيرة وفنون من الويلات والعذابات عاشها الشعب السوري طوال سنوات الحرب الكونية ومازالت مستمرة, وحصار اقتصادي هو الأقسى في تاريخ البشرية, والأهم تدمير ممنهج لمكونات الدولة المادية والبشرية، غابت فيها وفي كثير من الأحيان هذه الصورة الإنسانية التي تحمل معاني الرأفة والرحمة ومد يد العون، وأين أهل الخير ورجال الملمات وإنقاذ الشعب من حيتان التجار والسماسرة الذين ركبوا موجات الأزمة, واستغلوا حاجات الناس في المأكل والملبس، علماً أنه في كل يوم كارثة ومعاناة, وارتفاع للأسعار وسرقة للمواد, بقصد افتعال الأزمات المعيشية وبيعها في السوق السوداء, وفرض حالة العوز على المواطن والشراء بأغلى الأسعار لحاجة المعيشة والبقاء!.
أين السخاء الإنساني.. أين الحالة الاجتماعية الرؤوفة التي ظهرت خلال كارثة الزلزال، لو ظهرت خلال سنوات الحرب وكوارثها لما وجدت مواطناً محتاجاً، ولا أسرة تستغيث تريد لقمة عيشها اليومي، وما وجدت تاجراً حرامياً, ولا صناعياً مستغلاً, ولا أسواقاً سوداء, وما وجدنا طابوراً آخر يروج الشائعات بقصد الخوف وارتكاب أعمال النهب والسرقة..!
كل ما نتمناه أن تستمر ظاهرة الألفة ومد يد العون التي ظهرت خلال كارثة الزلزال، ما بعد الزلزال وتشكل حالة إنسانية أخلاقية تنتفي بوجودها كل حالات الفساد والمستغلين من أهل الأزمات, وتجسيد حالة اقتصادية يعيش في كنفها كل أبناء المجتمع..
Issa.samy68@gmail.com
سامي عيسى
165 المشاركات