الجدران الباردة!
لم يكن ارتجافي في صبيحة ذلك اليوم البارد والماطر، خوفاً، ولا برداً، بل اكتشفت حين بدأت (اتجوجح) يميناً ويساراً فاتحاً ذراعي اتكئ على هذا الحائط باليسار واليمين على حائط آخر.. حينها أدركت أنني وعائلتي وربما الملايين غيرنا قد اكتشفوا واكتشفنا، أننا في عين الخطر.. أقل من دقيقة ونحن نصارع الوقت، نصارع الخوف، ثم توقفنا قليلاً لنعاود الخوف لكن بدرجة أقل.. اعتقدت أن جدران ذلك البيت تكرهنا تدعونا للمغادرة.. برد شديد وأمطار غزيرة، ورغبة عارمة لمغادرة الخوف (حضنّا) بعضنا بقليل من الألبسة أغلقنا الباب وغادرنا..
في الخارج كانت الأمطار غزيرة والبرق والصواعق على أشدها.. في الشارع والحدائق القريبة من المنزل كان عشرات بل مئات من أولئك الذين أصبحت جدران منازلهم باردة من رواد الحدائق.. كانت الشوارع مكتظة بالسيارات، كما لو أنه يوم من أيام وقفة الأعياد.. مشينا بالشوارع أتابع الصفحات وأخبار الوكالات؛ لقد وقعت الكارثة..
الكارثة، التي كان يمكن أن تحلَّ على حينا وقريتنا ومدينتنا كما حلّت على أهلنا وأهلكم للأسف.. لم تكن تلك الصور التي تنشرها الوكالات ووسائط التواصل الاجتماعي عن مبانٍ تهدمت جزئياً وأخرى سويت بالأرض إلّا مقدمة لصور أصعب وأقسى وأكثر إيلاماً.. أطفال ونساء وعجز، عائلات بأكملها التهمتها الجدران الباردة التي فقدت حنانها.. حالات العناق التي أظهرتها الصور تشي بالكم الكبير من الحب والحنان إن كانوا أطفالاً أو كباراً أو أزواجاً.. قسوة القدر خطفت أولئك الأحبة وطوتهم تحت الأنقاض..
عدنا في الصباح بعد أكثر من ساعة على الكارثة.. رافقنا الأرق لساعات طوال، عيوننا مثبتة في الأسقف التي كانت مشروعاً لأدوات تقتلنا، لكتل صماء خرساء قد تهرس رؤوسنا وعظامنا، وتصبح أداة قاتلة تفقد الرحمة، والحنان والدفء..
مازال قلبي يرتجف ينقبض حتى الآن كلما تذكرت تلك الرجفة التي أدتها جدران المنزل وأجبرتني أنا وعائلتي.. جدران أخرى وعائلات أخرى ارتجفت كثيراً بعضها وقع على ساكنيها، وبعضها الآخر يبقى مشروع قاتل إذا ما استمرت الأرض تتراقص على صفيحات تتكسر لتغير موقعها رغم صلابتها وقسوتها..
رحم الله كل الذين قضوا تحت الأنقاض والشفاء العاجل للمصابين.. عسى أن تتكسر كل الأيادي التي قامت بالغش في بناء الأبنية الحديثة التي انهارت!