بعد “طيران” الفروج من حسابات أغلبية الأسر وتعذر تواجده على الموائد، أغلقت بعض محال بيعه في مدينة حلب، لكن مع تواصل موجات غلائه المتتالية وعجز المستهلكين عن الشراء زادت وتيرة الإغلاقات لتشمل أكبر وأشهر محل فروج في العاصمة الاقتصادية، في انتكاسة جديدة اقتصادياً واجتماعياً وخاصة لجهة فقد عائلات عديدة مصدرها رزقها عند الإغلاق الكلي، الذي تجنّبه كثر، وفضّلوا مسك العصا من الوسط عبر تغير الكار كله، كالانتقال إلى “الفلافل”، الأكثر رواجاً وإن خرجت عن عرفها كمأكول للفقراء.
حالات الإغلاق المتكررة مؤخراً، ليست متأتية من الغلاء وضعف قدرة المواطن الشرائية فقط، فسياسة “الجباية” المرهقة، من دون اكتراث بالواقع الاقتصادي والخدمي الصعب، من صعوبة تأمين مستلزمات العمل الأولية كالمحروقات وشرائها بأرقام كبيرة وأسعار الأمبير المكلفة وغيرها، دفع الكثيرين إلى اتخاذ هذه الخطوة المقلقة، على مبدأ “مافي شي جايب همه، ليزيد الطين بلّة تقديرات “المالية” بأرقامها الخيالية على المحال المنتجة المستندة في تكليفها على صيت الحلبيين السابق بأن “عظمهم ذهب”، وعموماً قد يكون هذا الكلام صحيحاً قبل تعرض المدينة إلى أقسى حرب إرهابية على الإطلاق، ما يستوجب منح المنتجين أياً كان مجال عملهم فرصة لالتقاط الأنفاس لاسترجاع العز الصناعي والتجاري وحتى الصيت السابق، وهذا يتطلب مراعاة ظروف العمل القاسية، فلا شك أن تسديد الضرائب واجب وحق للخزينة، لكن تفعيل الإنتاج أهم وأنجع اقتصادياً في الوقت الحالي، وبالتالي بعض من التساهل والإعفاء لمن ينتج لا يضر مع ملاحقة المتهربين ضريبياً وليس المنتجين، والانتظار ريثما يطبق الربط الشبكي وتبيان جدوى ربط التكليف الضريبي باستجرار المازوت والغاز، على نحو يحقق العدالة الضريبية ويحفظ حق الخزينة، أما فرض الضرائب بهذه الطريقة لا يعدو كونه “تطفيشاً” في غير أوانه.
وقف موجة الإغلاقات وتمكين المواطن من شراء مادة الفروج، يفرض أولاً وأخيراً دعم قطاع الدواجن بعيداً عن السلف المالية، التي تتبخر من دون رؤية أي نتائج جيدة، حيث يتطلب ذلك سلسلة خطوات متتابعة أهمها تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مقبولة كالمازوت والأعلاف، التي كنا نعتقد أن الذرة الصفراء بموسمها الوفير قد تحلّ المشكلة، لكن للأسف حصل العكس، ما يطرح إشارات استفهام كبيرة، توضيحها وكشف مكامن التقصير والعجز يفترض أن يكون مقدمة لإنقاذ قطاع الدواجن وإتاحة الفرصة لشراء المواطن الفروج والتمتع بنكهاته الشهية، وهذا قد يعيد فتح المحال المغلقة، فالإغلاق ليس في مصلحة اقتصادنا المتعب وخاصة إذا شمع أصحابها الخيط وهاجروا إلى دول تستقطب الحرفيين وأصحاب الخبرة واللقمة الطيبة.