نوبل الآداب للبساطة ونصرة الحق!

‏كانت ( آني أرنو) مرشحة دائمة لنيل جائزة نوبل للآداب، حتى فازت بها الأسبوع الماضي، لتصبح الفرنسية السابعة عشرة في نيلها، وهي في عمر تجاوز الثمانين، و الطريف أن لجنة جائزة نوبل لم تستطع العثور عليها لتبليغها بفوزها، وسبقها التلفزيون السويسري بالوصول إليها، و إجراء مقابلة معها، قالت فيها إن فوزها ( شرف كبير ومسؤولية عظيمة) وعرفت عن نفسها بأنها مجرد ( امرأة تكتب ) فما هي حيثيات هذا الفوز؟ وما أصداؤه على المستويين الأدبي الثقافي والسياسي؟
‏روايتها الأشهر (يحدث) كتبتها في ستينيات القرن العشرين، و تحدثت فيها عن تجربة حملها وهي مراهقة، نتيجة علاقة حب عابرة، وتروي معاناة البحث عن السبل للتخلص من الجنين، وهكذا فهي سيرة مراهقة مع الحب والحمل والإجهاض، وبينما يقرأ المرء الرواية، ويحس أن الفتاة تخاطبه، وتشكو له معاناتها، يغرق في تفاصيل همِّ الحمل، وصعوبة البحث عن إجهاض، وخاصة أنها تصطدم بقوانين تجرم وتعاقب كل من يساهم بالإجهاض، وهكذا نتابع في الرواية، حدثاً بسيطاً، حباً عابراً، حملاً، إجهاضاً، مجتمعاً يمنع الإجهاض، وضمن هذه البساطة تعكس الرواية صورة المجتمع، و مفاهيمه عن الحب والجنس والإجهاض، وعن الحرية، كما تتركز البساطة في صياغة الكتابة، المعتمدة على سرد حياتي، من دون أي تصنع أدبي أو إنشائي، ومن دون أي شطط في إغراءات الجنس، أو المعاناة، أو الجرأة، أو المواجهة، أو.. أو.. إلخ، كل شيء بسيط، والبساطة في كل شيء واضحة، لذلك سمى بيان لجنة نوبل أسلوبها بـ(السهل الممتنع) وأنا اسميه بـ(البسيط الحياتي).
‏طبعاً لم يكن الإجهاض موضوع أدبها فقط، بل التاريخ عبر الذاكرة، و استخراج معاني التاريخ من الأحداث البسيطة المعالجة، كما في رواياتها الأخرى، وهي تمزج بين السيرة الذاتية و الرواية والتاريخ، و الأهم أنها تبحث في زوايا الذاكرة، ذاكرة الراوي، ورغم أن الإجهاض لم يكن الموضوع الوحيد في روايتها، لكن من يسمع عن أهمية عرضها للإجهاض روائياً، يحس بمدى التوازي بين موضوعها هذا، وبين قضية الإجهاض التي أعادت المحكمة العليا في أمريكا تجريمه، واستفزت الغرب برمته، من هنا يتقاطع فوز (أرنو) مع قضية تشغل الغرب، ولذلك احتفلت بها الأوساط الغربية، وركزت الأخبار وتغطية الفوز على قضية الإجهاض في روايتها (يحدث)، ولكن ما نغص هذا الاحتفال الغربي، الموقف الإسرائيلي، الذي أدان لجنة نوبل لمنحها الجائزة لـ(أرنو) خاصة أن الكاتبة الفرنسية مناهضة للاحتلال الإسرائيلي، والمستوطنات، ولها نشاطات قويه ضد “إسرائيل” و سياساتها تجاه الفلسطينيين، لذلك شنت الصحافة الإسرائيلية هجوماً قوياً ضد الكاتبة وضد الجائزة.
أهم ما في فوز (آني أرنو) إعادة الاعتبار إلى البساطة في الكتابة، خاصة أن هذه البساطة هي أهم ما يمكن أن يسهم في ولادة كتابة جديدة، تستجيب لتحديات الأساليب التي فرضتها صياغات وسائل التواصل الاجتماعي ، وأرى أن مثل البساطة في كتابة (أرنو) هو ما سيجعل الكتابة، تنتعش أكثر، و تتجاوز تحديات وسائل التواصل وترهاتها.
نوبل للآداب هذا العام تنتصر للبساطة والحياة، وتناصر الحق الفلسطيني، عبر فوز كاتبة تعلن صراحة معاداتها للسياسة الإسرائيلية، و تنشط على الأرض في دعم موقفها هذا، لذلك فإن نوبل هذا العام، كانت للبساطة و نصرة الحق الفلسطيني..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار