يتفق الجميع على أن الاستثمار هو الضامن الوحيد لاقتصادنا ومن ضمنه الاستثمار الحقيقي (الصناعي والزراعي) لتكامل كل منهما وضرورة نشاط أحدهما حتى يعمل الآخر، ورغم ذلك نجد أن الجهود في هذين القطاعين ما زالت خجولة ولا تشكل أي نقطة انطلاق لإعادة دوران اقتصادنا.
ولعل الدليل الأبرز على هذا الأمر هو غياب القنوات الاستثمارية المقنعة للمدخرين باستثناء المضاربة على العقارات والسلع والعملات، وهذا ما يؤجج معاناة الجميع في ازدياد حجم كرة التضخم التي تلتهم الدخول وتئد أي مبادرة أو تفكير في الاستثمار الحقيقي .
هذا الأمر دفع الكثير ممن لديه أي مبلغ مالي يرغبون في استثماره للجوء إلى جامعي الأموال رغم إدراكهم أن المخاطرة كبيرة، وقد تودي بكامل مخصصاتهم الاستثمارية في لحظة واحدة، عندما يقرر جامع الأموال أن الغلة باتت وفيرة وحان وقت الهرب.
يعتمد جامعو الأموال على شبكة أشخاص يروجون لهم بأن استثمار مليون ليرة لديهم سيحقق دخلاً شهرياً يترواح ما بين ٤٠ إلى ١٠٠ ألف ليرة، وهذا ما يدخل الطمع إلى قلوب المدخرين بعد سماع أن هناك أشخاصاً يقبضون بالفعل هذه المبالغ ما يوقف تفكيرهم ويجعلهم قابلين للمخاطرة العالية بأن يتعرضوا للنصب، وحسب الجهات القضائية فإن دعوتين شهرياً تقامان ضد هؤلاء المحتالين، لا بل هناك أشخاص كثر يحصلون على قروض “شخصية” ليودعوها لدى جامعي الأموال.
هذا الأمر يحتاج إلى معالجة حرصاً على صغار المدخرين ولا يمكن أن يتم فقط عبر ملاحقة جامعي الأموال، وإنما في تأمين الفرص الاستثمارية الحقيقية التي من الممكن أن تجعلهم يفاضلون ما بين عوائد مجزية مضمونة وبين عوائد خيالية تحتوي على مخاطر كبيرة، وبما أن أغلب قطاعنا الخاص غير راغب في الاستثمار الحقيقي، فإن جهاتنا العامة مطالبة بالإبداع في دراسة مشروعات يمكن تمويلها من صغار المدخرين مقابل أرباح مقبولة تحافظ على القيمة الحقيقية لما بقي لديهم من مدخرات على الأقل.
الأموال التائهة الموجودة لدى صغار المدخرين حتى الآن كبيرة في اقتصادنا والمشروعات الزراعية والصناعية المجدية كثيرة والتوفيق بين هذين الطرفين يحتاج إلى فن اقتصادي ومالي يجمع ما بينهما ويحقق المكاسب للجميع، فهل يمكن تحقيق ذلك؟.