“قادرون على تجميع السيارات وتصنيعها.. فقبل الحرب كان حرفيو مدينة حلب بخبراتهم المتراكمة يعيدون تصنيع الباصات الصغيرة والكبيرة من قطع آليات معطلة، من دون الاقتراب صوب السيارات السياحية الحديثة مع إمكانية إنجاز ذلك، فجلّ ما يحتاجونه الدعم والرعاية” .. كلام قاله أحد كبار حرفيي مدينة حلب، أثناء التحضير لنقل ورشته إلى مدينة جبرين الصناعية والحرفية المتخصصة بصيانة السيارات التي ستكون عند استكمال تجهيزها المدينة الحرفية الأولى في سورية، وخاصة بعد جرعات الدعم الكبيرة مؤخراً، ما جعلها مصدر “غيرة” المناطق الحرفية الأخرى.
عائلات حلبية عديدة عُرفت بـ”كار” إعادة تجميع الباصات وتركيب هياكلها من جديد، لكن كغيرها من العائلات الصناعية لحقها ضرر سنوات الحرب السوداء بما فيه هجرة الكثيرين، إلّا أنها سارعت بعد نقض آثارها القاسية عن ورشاتهم وتحديداً في منطقة الراموسة الصناعية إلى إحياء هذه المهنة وإن بشق الأنفس من جراء عقوبات ظالمة وظروف اقتصادية صعبة رفعت تكاليف الإنتاج، ورغم كل العراقيل نرى اليوم باصات بحلة جديدة أعيد تصنيعها بأيدٍ محلية خبيرة، وهذا إنجاز يفرح القلب والعقل لكونه يعطي مؤشرات جيدة على إمكانية النهوض باقتصادنا من كبوته بإمكانات وقدرات ذاتية بعيداً عن الوصفات المستوردة، لكن المستغرب طريقة تعاطي الجهات المعنية بحلب مع هذه العودة المثمرة، فبدل دعم حرفيي وصناعيي هذه المهنة وتقديم ما يلزم للارتقاء بهذه الصناعة المهمة، حملت دوائر الجباية كالمالية والبلدية وغيرها دفاترها واتجهت صوب التحصيل في غير أوانه، بينما كان يُتوقع طريقة تعاطٍ مختلفة ومشجعة لتنشيط حال هذه الصناعة على نحو يخفف فاتورة الاستيراد ويسهم في حل مشكلة النقل المتفاقمة.
مقدرة أهل حلب على إعادة تصنيع الباصات، يطرح تساؤلاً مشروعاً عن أسباب عدم السماح بتأسيس معامل لتصنيع وتجميع السيارات في العاصمة الاقتصادية والاكتفاء بورشات حرفية فقط، وهذا يتطلب قراراً داعماً وتسهيلات محفزة كمنح حرفيي هذه المهنة قروضاً بشروط ميسرة والإعفاء من الضرائب لمدة معينة لحين الإقلاع بخطوط إنتاج قادرة على تصنيع سيارات من مختلف القياسات والأنواع تحمل اسم “صنع في سورية” بدل ترك مهمة استيرادها لتجار يحصدون الأرباح الدسمة على حساب الخزينة والمواطن، وهذا ليس بالمستحيل مادامت اليد الخبيرة متوافرة، حيث تحتاج فقط إلى بيئة عمل مشجعة تزيح العراقيل والضغوط وتبعد تدخل بعض الجهات المثبطة، فهل نشهد إصدار قرارات جريئة تغير مسار هذه الصناعة وتحفز انطلاقتها الجديدة أم عقلية “الجباية” المفرملة ستغلب على حساب صناعة حيوية لو دعمت بالشكل والتوقيت الصحيح لرفدت الخزينة بمليارات الليرات وجعلت حلم امتلاك المواطن سيارته الخاصة ممكناً.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات