هل تتحقق العدالة الاقتصادية في المدن الذكية الافتراضية ؟ الحلم والواقع يتعارضان مع تأسيس مدن فاضلة
من الوهلة الأولى يبدو الأمر مجرد خيال, ولاسيما إذا كنت من دول العالم الثالث التي تعاني لكسر تصنيفات فرضتها الدول الكبرى.. لكنك بالتأكيد لدى متابعة المعلومات المتداولة حول هذه الفكرة التي بدأت تأخذ حيزاً حقيقياً بالتنفيذ حول مدن افتراضية رقمية ربما ستجد معي ثمة فرص لتحقيق تطلعاتك ولو كان بالفضاء الافتراضي في الوقت الذي تعاني ما تعانيه من أزمات.. والسؤال الذي خطر في بالي: هل ستكون المدن الرقمية مدناً فاضلةً خاليةً من الأزمات والحروب والعقوبات والحصار, ويتوافر فيها كل مقومات الرفاهية المتساوية لكل المشتركين بها؟.
عند هذه النقطة.. العدالة الافتراضية كان لابدّ أن نستيقظ من الحلم ونفتح أعيننا لنرى الوقائع الحقيقية.
تبدأ القصة في الثالث من آذار عندما ظهرت رسالة غامضة على «تويتر»، وعدت بطريقة جديدة للحياة الاقتصادية ولمستثمري العملات المشفّرة, جاء في التغريدة: “براكسيس” تبني مدينة المستقبل”، ثم انتهت الرسالة برابط يعلن عن جمع تبرعات بقيمة 15 مليون دولار, ودعوة للانضمام إلى مجتمعهم.
التغريدة جاءت من منظمة أنشأها رجلان في العشرينيات من العمر، قالا إنهما يجمعان الأموال من خلال خطة لشراء أرض, في النهاية، يأملان في جمع مجتمع جديد من المؤسسين والمهندسين والفنانين وغيرهم من الرواد الذين يرغبون في المساعدة على إنشاء أول مدينة مشفّرة في العالم.
ماذا يعني كل ذلك؟ سؤال جيد؛ انتشر على الموقع.
تنص الرؤية على مدينة اقتصادية مرفهة مثالية ثقافية مدعومة بالعملة المشفرة..في المدونات، يشير أحد المؤسسين إلى أثينا القديمة وفي عصر النهضة يدور حديث عن منازل وحدائق مصممة بشكل جميل وحوكمة مبتكرة وعملة لا مركزية, تشمل إعلانات الوظائف المدرجة ؛رئيس قسم العقارات ومحلل سياسي.
الواقع حتى الآن هو موقع ويب وحساب على تويتر وقناة حية على منصة الدردشة “ديسكورد”، حيث أبدى ما يقرب من عشرة آلاف عضو اهتماماً بمناقشة الأفكار مثل ميزات إنشاء مدينة جديدة في الفضاء أو القارة القطبية الجنوبية «جيدة للحفاظ على برودة الخوادم».
هناك جوٌّ من عدم الواقعية يحيط بـ”براكسيس”، حتى في المحادثات بين الأشخاص المهتمين بما يكفي للانضمام إلى مجتمع عبر الإنترنت مخصص لذلك, ليس من الواضح أين أو بالضبط ما الذي يجري الحديث عنه؟,لا يوجد جدول زمني أو دليل على أن قطع أراضٍ معينة يجري النظر فيها.
الأهداف واسعة جداً بحيث يمكن تفسيرها بجميع أنواع الطرق, هل النتيجة المرجوة منطقة اقتصادية خاصة أم ملاذ ضريبي لمستثمري العملات المشفرّة أم نوع جديد تماماً من المجتمع؟, إذا كان الحلم هو الهروب من المجتمع المركزي والقواعد القديمة، فمن أين سيأتي المال؟.
بينما يتحدث البعض عن استعمار المريخ ويضخم مثاليو التكنولوجيا فكرة العيش بشكل دائم عبر الإنترنت، فإن مفهوم الاستثمار في المباني والحدائق والطرق يمكن أن يبدو وكأنه ارتداد, لكن “براكسيس” هي جزء من نزعة تحررية كما يبدو في صناعة التكنولوجيا تحلم بفك قيود نفسها من البنية التحتية الحالية وتطبيق نموذج بدء التشغيل في كل مجال من مجالات الحياة.
يشير الحماس الذي ولدته إلى أنه ليس فقط التحرريون هم من يريدون إعادة التفكير في المدن التي يعيشون فيها, الجمهور المستهدف لـ”براكسيس” جزء من جيل لا يمكنهم تحمل تكلفة شراء المنازل في المدن الكبرى، ولكنهم ما زالوا يسعون للحصول على التواصل الممكن في الأماكن الحضرية.
لقد كانت وحدة الجائحة دافعاً للتفكير عن كثب في المجتمع والمكان الذي نعيش فيه, يسهل العمل عن بعد الانتقاء والاختيار, من بين ادعاءات “براكسيس” أنها تريد بناء المدينة التي يستحقها وادي السيليكون, ويقال: إذا كنت قد زرت المجموعة المملة من الطرق السريعة والمباني منخفضة الارتفاع والمنشآت المخفية التي تشكل وادي السيليكون، فستعرف أن إنشاء شيء أكثر ملاءمة لصناعة التكنولوجيا العالمية وأكثر جاذبية لمؤسسي التكنولوجيا الطموحين ليس فكرة سيئة.
بالطبع، الحديث عن البدء من الصفر أسهل كثيراً من تحقيقه, المبالغ التي تم جمعها حتى الآن تصل إلى أقل من 20 مليون دولار – وهو مبلغ ضئيل بالنظر إلى الطموح الذي ينطوي عليه الأمر, ستكون محاولة إعادة تشكيل العالم المادي بهذا الأمر مشكلة، حتى مع وجود مزيد من الأموال، واجهت الجهود المبذولة لإنشاء مدن مستقلة أو بقيادة تكنولوجيا مقاومة.
لكن جهود “غوغل” للعمل مع المسؤولين في مشروع إعادة تطوير حضري باءت بالفشل ثم جاءت دعوات لخطة أكثر طموحاً لإنشاء مدن عائمة..على الأغلب.
لا وجود للمدينة التي تحلم بها “براكسيس”, ربما لن تكون موجودة أبداً، لكن الاهتمام الذي أثارته يشير إلى أن تركيز التكنولوجيا على بناء عوالم افتراضية ليس كافياً, حتى الرحالة الرقميون يريدون أن يكونوا معاً في الحياة الواقعية.