وشهد شاهد من أهلها!
تحتل أخبار الحرب في “أوكرانيا” المساحة الأكبر من الشاشات الفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي، على مستوى خريطة العالم، مصورة بؤس الحرب على الشعب الأوكراني، والبعض على صعيد الأفراد، أو المؤسسات، أو الدول، من يدين الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، متناسين بذلك أن أعضاء “ناتو” منذ أفول “الحرب الباردة” وهم يعملون بإستراتيجية قوامها يتلخص ليس بسيادة قطب واحد على سكان الأرض وحسب، بل بجعل الشعوب عبيداً تحت إمرة مصالح هذا القطب، وكل من يحاول الخروج عن هذه السياسة المتوحشة سوف يسجل في قائمة الدول المارقة، والمنتهكة لحقوق الإنسان، والديمقراطية والحرية، وما على الناتو عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً سوى العمل لإعادة المارق إلى قطيع التبعية، ولو كلف هذا القرار زهق ملايين الأرواح، وتفقير، وتهجير عدد أكبر منهم، وجعل الفوضى والحروب الطائفية بين الأخوة هي المسيطرة على هذا المستنقع المصنع بماركة مخفية وعلنية من قبل أعضاء الناتو!!..
-لم تكن الأزمة الأوكرانية وليدة الساعات القليلة التي سبقت الحرب، ولم تكن الأزمة بين شعبين متجاورين على مرّ التاريخ، فقد كانت أوكرانيا على مدى قرون جزءاً من روسيا، يجمعهما التاريخ المشترك، والمصالح المتبادلة، ووحدة اللغة، حتى إن شبه جزيرة القرم- الورقة التي لعب عليها الغرب لزرع بذور الانشقاق والأزمة- يتجاوز عدد السكان الروس على أرضها 60%، ولم تكن جزءاً من أوكرانيا قبل أن يتم منحها من الزعيم السوفييتي “خروتشوف- من أصل أوكراني” لأوكرانيا عام 1954 كجزء من الاحتفال بمرور 300 عام على اتفاقية روسيا مع القوقاز، وفي مقالة لوزير خارجية الولايات المتحدة” هنري كيسنجر” نشرها في صحيفة” الواشنطن بوست” في 6 مارس من العام 2014 نستطيع أن نستخلص منها دور دول الناتو بخلق الأزمة، إذ إن المقالة تشير إلى أنه يتهم تعنت الاتحاد الأوروبي وسياسته البيروقراطية، ومحاولة ضم أوكرانيا إلى المعسكر الغربي هو من ساهم في تحويل المفاوضات السابقة بين روسيا وأوكرانيا إلى أزمة، وسوف نقرأ إشارات مشفرة لـ “كسنجر” من داخل السطور، فالخطأ الذي أرتكبه الاتحاد الأوربي هو عدم إدراكه أن أوكرانيا بالنسبة لروسيا لا يمكن أن تكون مجرد دولة أجنبية على حدودها، أما الخطأ الآخر الذي سارت عليه الولايات المتحدة الأمريكية هو عدم تجنب معاملة روسيا كطرف ينبغي تعليمه قواعد السلوك التي وضعتها واشنطن، وبالتالي لا ينبغي ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، ولا ينبغي التعامل مع أوكرانيا كجزء من المواجهة بين الشرق والغرب من شأنه أن يفسد لعقود قادمة أي احتمال لإدخال روسيا مع الغرب في نظام دولي تعاوني، ونستطيع قراءة ما بين سطور مقالة كسنجر أيضاً، بأن الخطأ الثالث الذي ارتكبه الحلفاء الغربيون هو في نقاشهم الذي يدور دائماً حول المواجهة، في الوقت ذاته الذي كانوا مطالبين بالعودة إلى فحص النتائج التي تتوافق مع القيم والمصالح الأمنية لجميع الأطراف، وكان من الممكن أن تلعب أوكرانيا دور الجسر بين الشرق والغرب، بدلاً من أن تكون فتيلاً لحرب لا أحد يعرف خاتمتها، أما سؤال: هل نعرف إلى أين ذاهبون؟” الذي يتوجه به كسنجر إلى العالم الغربي، في زمن كتابته للمقالة التي جاءت تحت عنوان “كيف تنتهي أزمة أوكرانيا”، فالجواب عنه سوف يكون في نهاية الحرب، والتي بالتأكيد سوف تنهي سياسة الغطرسة لدول الناتو..