في الأسبوع الماضي، جلس ويليام بيرنز مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية وريتشارد مور مدير المخابرات البريطانية «أم أي 6»، جلسا معاً على أريكة واحدة، أمام جمهور جمعته صحيفة «فايننشال تايمز»، وتناول كلاهما الحديث عما يجري في أوكرانيا وغزة، وبينما وجد ستيفن بيدل في فورين أفيرز أن رواية أوكرانيا عن عملية كورسك ما هي إلا «الوعد الكاذب»، رأى وليم بيرنز أن هذه العملية الأوكرانية في كورسك (أحدثت ثغره في «الرواية» الروسية عن سحق أوكرانيا)، في الوقت الذي استنتج فيه ريتشارد مور أن عملية كورسك (غيرت «الرواية» عن الحرب الأوكرانية إلى حد ما) ومن شدة خبثهما لم يتورطا بأي حديث عن أن «ما يجري في كورسك يغير أو غير مسار الحرب» لصالح أوكرانيا، واكتفائهما بالحديث عن تأثيره على الرواية عنها، وعندما يتحمل مديرا أكبر جهازين للاستخبارات في العالم على الظهور من أجل الحديث عن «رواية الحرب»، يتأكد للجميع وبشكل قاطع أهمية «صياغة رواية» عن أي حرب لتكون أحد أهم أسلحتها في تحقيق أهدافها.
إن استخدام المعلومات السرية لفبركة معلومات مضللة، في إطار صياغة رواية عن الحرب، كان من ابتكار ويليام بيرنز في العصر الحديث، حيث بدأ باستخدام هذه المعلومات المسربة كحقائق، في صياغة رواية استفزازية تستفز الجانب الروسي، وتهدد روسيا بتقدم حلف «ناتو» باتجاه حدودها عبر أوكرانيا، ما دفع وحرض على اشتعال الصراع فأعلنت موسكو بدء «عمليتها العسكرية الخاصة» دفاعاً عن أمنها القومي، ومازال الصراع مستمراً، وما زالت الرواية عن الحرب تتطور في مكاتب الجاسوسية الشيطانية للمخابرات الغربية الأمريكية والبريطانية، وها هما أمراء التجسس بيرنز ومور يجلسان على أريكة واحدة في حشد «فايننشال تايمز»، والمفارقة ليس فقط حديث الجاسوسين إلى جمهور بشكل علني، وهو أمر يحدث لأول مرة، بل المفارقة أن هذا الحشد يضم «خيمة لتذوق الشمبانيا وحلقات نقاش حول كيف يمكننا تبرير أكل شرائح اللحم «ستيك»، تصوروا أن رواية الحرب يطرحها مدراء الحروب السوداء مع تذوق الشمبانيا ومع الجدال والنقاش لتبرير أكل شرائح اللحم، كم أصبحت المخابرات الغربية مخادعة وشيطانية؟، يتحدث مديرا الحروب والفتن والانقلابات والاضطرابات عن أفعالهم السوداء في حفلة تذوق الشمبانيا ومع البحث عن تبرير أكل الستيك، وهذا كله ضمن أساليب «صياغة رواية الحرب» الماكرة والخبيثة والمتجددة باضطراد.
هؤلاء صناع الحروب ومدراء الفتن والفوضى والاضطرابات يعرفون أهمية «صياغة رواية» تغطي وتبرر وتضلل وتربك وتدفع أعمالهم السوداء للأسوأ والأكثر خطراً، ولابد بالمقابل لأصحاب الحقوق، والمدافعين عن الشعوب، وصناع الحياة والعدل، أن يصوغوا روايتهم عن الحق والعدل والكرامة، كي تؤدي رواية الحق دورها في مواجهة رواية الظلم والعدوان، وهذه ساحة أخرى ومهمة للحرب موضوعها «الرواية» ولا يجوز لأحد أن يتخلف عنها كي لا يخسر سلاحاً هاماً ومؤثراً.
د. فؤاد شربجي
123 المشاركات