الحُرُوبُ وَخَسَارَةُ الشُّعُوبِ
وسط زخم الأحداث الجارية حول ما يجري على الساحة الأوكرانية، وحجم الضخ الإعلامي الغربي لتشويه روسيا وسياساتها حيال شعوب العالم، وآثار فرض العقوبات الاقتصادية ليس فقط على روسيا بل على شعوب العالم قاطبة، يظهر مدى الخبث الغربي لتغيير موازين القوى واللعب وفق أحلاف وتكتلات جديدة يسعى لبلورتها على أرض الواقع، وربما خلق قطب واحد، إلا أن نظريات كهذه أو طموحاً سيبقى قاصراً، فالشعوب الحرة كشفت مدى الزيف الغربي الذي لا يهمه الدفاع عن أيٍّ من قضايا المواطن أينما كان، هو يروج ذلك بشعاراته، بينما يضمر الإضرار بالشعوب الحرة صاحبة القرار الحر..
فالحروب مهما تنوعت أشكالها وفصولها، هي خسائر فادحة أول من يدفع الثمن من حدوثها الشعوب مهما اختلفت أديانها وأمصارها، ولا شك في أنها دوماً تثير تساؤلات أكثر مما تجيب عنها، وحسب مجريات التاريخ وما سجل من حروب مأسوية، لا توجد إجابات دقيقة عن مآلات الحروب ونتائجها بدقة، هي حالات من عدم الاستقرار والجوع والحرمان والتشرد والغلاء وربما فقدان الأوطان، وتسيد أفكار غريبة يغذيها الفكر الغربي الهادف إلى زعزعة استقرار الشعوب من خلال إثارة النعرات ودعم بعض الأنظمة الهشة للإيقاع بها وجعلها تابعاً للسيد الأمريكي.. صحيح أن للحروب بداية وقد تشتعل رغم كره الشعوب المحبة للسلام والاستقرار، لكن من المستحيل تحديد موعد إنهائها، فهي كالرمال المتحركة، كلما تقدم أحد فيها انغرزت أقدامه في دواماتها أكثر، وهنا فالشعوب هي من يتحمل وزر ذلك، لا ناقة لها ولا جمل، إلا أن تأثيرها سيئ وسلبي أيضاً على مجريات حياتها ومنظومة معيشتها، في ظل حالة يشهدها العالم أجمع من نقص للمواد الأساسية ونضوب بعضها، وغلاء فاحش آخذ يفرض إيقاعاته وبقوة على فاتورة الحياة..
وهنا ماذا ستكون المآلات والنتائج؛ حروب جديدة.. أم مجاعات وتغيير بالسلوكيات والعادات، واتباع نظام عالمي ربما أو حلف عالمي جديد.. لا مكان فيه للفقير إلا أن يزداد فقراً، وتتعزز سيطرة رأس المال أكثر فأكثر..!
الغرب اليوم يستخدم في معركته مع روسيا قوى ضغط وحرباً من نوع جديد، قوى ناعمة، من خلال حشد القنوات الإعلامية وبث رسائلها، لشيطنة المنطقة برمتها، ومن باب آخر اتخذ قرارات لتقويض الاقتصاد الروسي بحزمة عقوبات لم يسبق لها مثيل، كأنه يواجه للمرة الأولى معركة وجود قد تنهي مفاهيمه وقيمه المزيفة أصلاً، والتي روّج لها بأنها القادرة وحدها على إسعاد الناس حول العالم دون غيرها، فحربه التي أشعلها ليس ضد روسيا ومحبة بأوكرانيا، بل يسعى إلى ربط شعوب العالم بمعتقداته لتبقى رهن ادعاءاته وأطماعه التوسعية، وضرب كل حركات الشعوب المنادية بالاستقرار والسلام.
يخطئ من لا يعتقد أن نظاماً جديداً سيولد من رحم هذه الأزمة التي تدور رحاها في أوكرانيا، أعتقد أن أقطاباً إقليمية ستتمدد إلى أن تصبح دولية، لا ترتهن لفلسفات ونظريات القطب الواحد، واليوم بدأت الطروحات العملية تظهر جلياً على الساحة الاقتصادية عبر تعميم الروبل الروسي عوضاً عن الدولار الأمريكي، وهذا سيكسب مزيداً من النجاح في حال حصل التقارب الروسي- الصيني بأشكال أكثر تماسكاً على الصعد والمرامي كافة.