تصويب الحوافز هل يغني عن زيادة الأجور؟.. إصلاح الرواتب قضية مفتاحية والأولوية إلغاء السقوف على الراتب
د الرضا : الراتب هو الأساس في حساب التقاعد و التعويضات.. العكام :المطلوب الاثنين معاً والتأخير جعل التعويضات لا معنى لها
تؤكد أغلب التصريحات أن التوجه القادم محسوم لاعتماد تطوير أنظمة المكافآت والحوافز والتعويضات المختلفة كخيار أساسي ويبقى التوجه لزيادة الرواتب منوطاً بخطط المالية كخيار تحدده عوامل مختلفة أهمها توفر الإيرادات التي تغطي هذا البند! في حين أن التوجه لإصلاح الأجور هو ما يتم التركيز عليه إضافة إلى التعويضات والحوافز والمكافآت.
بالمقابل يرى المتابعون للشأن الاقتصادي أن مشروع إصلاح الرواتب والأجور وتصويب التعويضات مرتبط بمشروع الإصلاح الإداري الذي شهد بعض المخرجات على صعيد إعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات التابعة لها، لكن في ظل استشراء الفساد وارتفاع الأسعار والتضخم واستمرار المعاناة في معاملات المواطنين ضمن دوائر العمل لا يزال الباب مفتوحاً نحو المزيد من الإصلاحات وفي مقدمتها إصلاح الرواتب والأجور .
الراتب أولاً أم التعويضات؟
يجيب الدكتور محمد خير العكام عضو مجلس الشعب والخبير الاقتصادي المطلوب الاثنين معاً أولاً تصويب سياسة الحوافز وهو إجراء كان يجب أن يقام منذ زمن بعيد والتأخير فيه جعل الحوافز ولاسيما التعويضات على العمل والمسؤولية وغيرها وحتى الشهادات والدورات وتوقيفها على راتب 2013 لم يعد لها معنى بضع مئات من الليرات ولاسيما أنها على راتب 2013 رغم صدور العديد من المراسيم لزيادة الرواتب والتي أقرت عدة زيادات للرواتب والغريب وغير المفهوم أن الاقتطاعات تتم على الراتب الجديد المعدل، بينما التعويضات على الراتب القديم 2013 مما ساهم في تآكل الراتب أكثر فأكثر بسبب الحسومات الكبيرة مقابل التعويضات المحدودة .
أضف إلى ذلك أن الراتب نفسه تمت زيادته عدة مرات إلا أن التعويضات بقيت محسوبة على راتب ضعيف ولم تعد ذات قيمة ولاسيما في ظل ارتفاع الأسعار .
في حديث مع الدكتور محمد خير العكام عضو مجلس الشعب والمستشار والخبير الاقتصادي قال ل” تشرين” : إن تطبيق برنامج إصلاح الرواتب والأجور وتصويب التعويضات والحوافز هو ضمن سياق الإصلاح الإداري ويسبقه حزمة أنظمة بحيث يشعر الموظف أو العامل أنه ملحوظ ضمن جملة الإجراءات الإصلاحية التي تتناول إعادة تسعير الخدمات والسلع كالكهرباء والاتصالات وأسعار المواد الغذائية و…الخ وهذا ينعكس مباشرة على تحسن أداء العاملين في الدوائر الحكومية، أضف إلى ذلك إصدار مشروع نظام المراتب الوظيفية المرتبط بمحاور الخدمة العامة، ونظام إدارة الموارد البشرية وجميعها لم تصدر بعد .
ويلفت الدكتور العكام أن العمل على إعادة الهيكلة من الجهات الإدارية العليا وصولاً للجهات التابعة، ومكافحة الفساد وإعداد تشريعات وقائية من الفساد والحد من الهدر لا تزال بخطواتها الأولى بانتظار صدورها بصكوك تشريعية .
تصويب الحوافز أم زيادة الأجور؟
يرى الدكتور عقبة الرضا الأستاذ في كلية الاقتصاد والخبير الاقتصادي أن تصويب الحوافز يعتبر عملاً استثنائياً مقابل إصلاح الرواتب والأجور الذي يعتبر الأساس في حساب كل شيء من تعويضات وحتى الراتب التقاعدي وتصويب التعويضات هو معالجة لحظية، في حين ان إصلاح الرواتب هو المشكلة المتجذرة والمتراكمة والسؤال هل يمكن إصلاح الأجور ومضاعفتها لعشرة أمثال مثلاً ..بحيث يلبي الدخل الاحتياجات الأساسية ؟!
ولا بد قبل أي شيء إلغاء السقوف على الراتب وأعتقد أن موضوع إلغاء الدعم إذا كان القصد منه تحسين الدخل بما يتناسب مع تلبية الاحتياجات الأساسية كما ينص عليه الدستور فهو إجراء صحيح ومنصف.
هل يلبي الاحتياجات الأساسية ؟
ويضيف الدكتور عقبة :إن أي إصلاح اقتصادي لن يعطي ثماره إلا من خلال إصلاح الرواتب والأجور، لأن أهم حافز هو الأجر. فأي إصلاح وسيلته وهدفه الناس، وهؤلاء الناس حتى يكونوا فاعلين مع أي عملية إصلاح يجب أن يكون هناك حافز والحافز الأساسي هو الأجر، لذا برأيي أن إصلاح الرواتب قضية مفتاحية في أي عملية إصلاحية .
ويضيف : هذا ليس ترتيباً للأولويات لأنه يجب أن نفكر بالاثنين، زيادة الأجور وتصويب التعويضات دون شك، والمشكلة في إصلاح الرواتب أنه تواجهنا دائماً قضية توفر الموارد اللازمة. لكن متى كانت الموارد متاحة علينا أن نعمد إلى إصلاح الرواتب ولو بشكل جزئي.
أيهما أولاً؟
وحول العلاقة ما بين زيادة الإنتاج ورفع الأجور يرى الدكتور الرضا أن زيادة الإنتاج والرواتب والأجور مسألتان مترابطتان وليستا متضادتين، ولا يمكن البدء بواحدة وتأجيل الأخرى، لأن الأجور عموماً هي انعكاس للإنتاجية كماً ونوعاً، وزيادة الحوافز يسهم مباشرة في رفع الإنتاجية. ومن دون زيادة الإنتاجية لا يمكن زيادة الأجور، غير أن سياسة جيدة للأجور تسهم في زيادة الإنتاجية والعكس صحيح.
زيادة الإنتاجية أم الرواتب؟
ويجد الخبير الاقتصادي الدكتور الرضا أن تدريب العاملين بدون زيادة أجور المتدربين غير ممكن لأن المتدرب حينها سيجد فرص أكبر بأجور أعلى في القطاع الخاص المحلي أو في الخارج، وهذه مشكلة تواجه الوزارات والمؤسسات بحدة. وبما أن المؤسسات العامة بحاجة لتدريب مكثف لرفع قدرة أجهزتها على العمل بكفاءة أكبر تتناسب واحتياجات الإصلاح الاقتصادي، وبما أن التدريب عادة مرتفع التكلفة، إذاً لا يمكن أن تحافظ المؤسسات على كوادرها المدربة بدون سياسة أجور جديدة. والإنفاق على التدريب بدون دراسة شاملة وسياسة جديدة للأجور والتعويضات سيعني إنفاقاً بدون مردود أو ربما مردود على الغير. مثلاً كيف نؤهل كادراً من المدراء في المؤسسات أو في المصارف الحكومية إلى المستويات المعاصرة ثم نبقى ندفع له بضعة آلاف شهريا وهو يشغل رئيس قسم أو مدير بينما يأخذ مثيله في القطاع الخاص 500 – 900 ألف ليرة سورية شهرياً؟؟ ولا نتحدث هنا عن كوادر ومديري المصارف الخاصة من غير السوريين الذين تصل رواتبهم حتى عشرة آلاف دولار شهرياً.
ويوضح الدكتور عقبة كيف درجت الجهات المعنية على رفع الأجور والرواتب على نحو خطي للجميع بدون أن تهتم بالتمايز بين الأعمال والكفاءات والمسؤولية في العمل، وبالتالي بقيت عيوب نظام الأجور والرواتب تتكرر دون إصلاح باستثناء التعويضات على المعاش التي تمت خلال السنوات القليلة الماضية، وننتظر تعديل قانون العاملين في الدولة، والآن يتم الحديث عن زيادات بنفس الاتجاه.”
وحول ضرورة وجود سياسة جديدة للأجور أضاف الدكتور والأستاذ الجامعي عقبة الرضا : المطلوب رسم سياسة جديدة للأجور والرواتب توسع قوس الرواتب بين الحدين الأعلى والأدنى لتصبح عشرة أضعاف بدلاً من ثلاثة أضعاف ونصف، لأن الفروقات بين تأهيل العاملين وبين شهاداتهم وتدريبهم وكفاءاتهم وأدوارهم في عملية الإنتاج واختلاف ظروفهم تزيد عن عشرة أضعاف. يضاف لإصلاح الأجور إصلاح التعويضات والحوافز بزيادتها وجعلها عادلة تتناسب وأهمية العمل والمسؤولية وظروف العمل، فهي الأخرى لاتقل أهمية من الأجور، وهي أكثر ارتباطاً بطبيعة العمل وبالإنتاجية، وتسهم في حصول المشتغل على تعويض عادل، أما كما هي الآن فهي ظالمة وضارة بعملية الإنتاج. طبعاً سياسة تعويضات جديدة تتطلب تطبيقاً كفؤاً فعالاً وليس بيروقراطياً كما هو الآن.
بالمناسبة يردف الدكتور عقبة : نكثر من الحديث عن عيوب سياسة الأجور والرواتب في القطاع الحكومي ونهمل الحديث عن القطاع الخاص رغم أن قوة عمل الحكومة تشكل نحو 52% فقط من قوة العمل حسب التقديرات الأخيرة . وأعتقد أن هذه المسألة يجب أن تلقى اهتماماً أكبر، فعيوب نظام الرواتب لدى القطاع الخاص أكبر من عيوب العام.
تخفيف العبء
ورأى وزير المالية في الزيادات على الراتب والاعفاءات بالحد الأدنى من الضرائب حينها أن تخفيف العبء الضريبي على الموظفين يمثل زيادة مهمة على الراتب تعادل 20 – 25%، إذ إن رفع الحد الأدنى للراتب المعفى من الضريبة يتيح زيادة 7,000 ليرة على رواتب الفئة الأولى، و5,500 ليرة على رواتب الفئة الثانية.
بعيداً عن الروتين
وتتجه الأنظار نحو “وزارة التنمية الإدارية” التي تأسست عام 2014، وأطلقت مشروع الإصلاح الإداري في 2017، بهدف مكافحة الفساد الإداري بالمؤسسات العامة والخاصة، وتبسيط الخدمات الحكومية، وتقديمها للمواطن إلكترونياً بعيداً عن الروتين والبيروقراطية.
وفي تموز 2018، وافق “مجلس الشعب” على مشروع قانون مهام “وزارة التنمية الإدارية” وأصبح قانوناً، وتضمن إحداث مركز مؤتمت للموارد البشرية يحل محل السجل العام للعاملين في الدولة، بحيث يصبح تقييم العاملين وتوظيفهم إلكترونياً.
وكانت لجنة التنمية البشرية قد أوصت سابقاً بتعديل نظام الحوافز والمكافآت في بعض الجهات العامة، وتقديم مقترحات لتطويره بما يمكِّن من الحفاظ على الكوادر المؤهلة لدى القطاع العام وعدم تسربها ويزيد الإنتاجية.