أوروبا.. التبعية المرهقة
كشفت أزمة الغواصات بين فرنسا وأمريكا وبالتالي الحلف الثلاثي الوليد بين أمريكا وأستراليا وبريطانيا عمق الشرخ بين ضفتي الأطلسي، عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاقتصادية على حساب العداء الإيديولوجي، وفضح حقيقة أن أوروبا تقبع في المقاعد الخلفية للاهتمامات الأمنية والاقتصادية الأمريكية، وبأن حلف شمال الأطلسي ما هو إلا إطار عام لخدمة الهيمنة الأمريكية.
أوروبا بدورها تطلق النار على قدميها، عندما تنتهج مذهب الخضوع الكلي لواشنطن في تطبيق العقوبات الأمريكية ضد روسيا وتعيق وصول الغاز الرخيص لمواطنيها، وتغامر بصنع عدو لها على حدودها مثل روسيا، بينما أمريكا تقبع خلف المحيط تؤجج الصراعات وتدفع أوروبا إلى الواجهة، وتثير المشاغبات في دول شرق أوروبا ضد عمقها الحيوي وخاصة الروسي.
كل تلك الأزمات على الطلب الأمريكي ستجعل من أوروبا محطمة وبعيدة عن مصالحها في التصالح مع محيطها الجغرافي.
أن تسلك أوروبا بعد أكثر من سبعة عقود من الخضوع لواشنطن مسارها الخاص ليس بالبساطة، لكن ذلك لابد أن يتم، كما أن الدخول في مخاض التجربة والانطلاق لابد منه، وإلا ستدخل صراع أمريكا الجديد والمستحدث ضد الصين، في صراع أقل ما يمكن القول عنه أنه ليس لأوروبا به ناقة ولا جمل، لكن البقاء على هذا الوضع يجعل الاستقرار في أوروبا حلماً صعب المنال في المدى المنظور، وخاصة مع تفاقم أزمة الطاقة والحديث عن نقص في السلع وحركة البضائع عالمياً.
أزمات أوروبا هي نتيجة لتبعيتها العمياء، فكل حروب واشنطن الخاصة تم تنفيذها بمشاركة عسكر ومال أوروبي إضافة للدول الأخرى في “ناتو”، ورغم ذلك فتلك حروب صغيرة على مقاس الدول العظمى، ليست شيئا مقابل ما قد يأتي من حروب طرفيها دول عظمى، سيكون الخاسر الأول فيها الدول الأقل قوة أو الأدوات التي يسهل التضحية بها في أي صراع عالمي كبير.
ليس في مصلحة أوروبا أن تخوض صراعات أمريكا، لكن عليها أيضاً البحث عن مصالح أوروبا أولاً، بالتخلص من هذه التبعية المرهقة والدوامة التي لا تنتهي من حرب أمريكا غير النهائية.