صحافةُ المواطن
هل استطاع العالمُ الافتراضي أن يفرض «داتا» إعلاميةً مستحدثةً بطلها هو المواطن، وميدان حضورها هو صفحات التواصل الاجتماعي؟
وهل يمكن استثمارها على الرغم من آثارها السلبية إلى جانب آثارها الإيجابية؟ وهل يمكن اختراقها؟
نعم، لقد استطاعت أدوات الإنترنت الجديدة بخدماتها المتنوعة أن تخلق أشكالاً متنوعةً من الإعلام متقاطعةً مع ثقافة المواطن العامة، الخدمية والاقتصادية والسياسية والإعلامية أيضاً، وهذه الأمور المستجدة ليست طفراتٍ آنية ستندثر يوماً ما، بل على العكس، فقد باتت شيئاً أساسياً وجزءاً من واقع حالٍ راح يفرض حضوره، وله تأثيراته الإيجابية والسلبية.
ومن العالم الافتراضي على نحو عام انبثقت «صحافة الإنترنت» كحالة خاصة، مكّنت الجمهور العادي (الفرد غير المتخصص) من تأسيس نظم صحفية جديدة، تعدّدت أسماؤها بدءاً من “صحافة المواطن” إلى “الإعلام التشاركي أو التعاضدي”، أو ما يسميه بعضهم “الإعلام البديل”.
وأياً تكن التسميات، وأياً تكن مستويات انتشار حالة إعلامية كهذه، وقبل النظر في مشروعية حضورها أو عدمه، لابدّ من التذكير بأن العامل الزمني عند خوض غمار أيّ تجربة هو عامل رئيس يحدّد سمات هذا الوافد الجديد ومساحة مساهمته، وعليه، فإنه يجب التنويه هنا بأن جديد نظم الاتصال الإلكتروني أي «صحافة المواطن» في بلدنا هو وليد توقيت استثنائي تعيشه سورية بسبب الحرب الإرهابية عليها وتداعيات هذه الحرب الكارثية والصعبة، فإلى أي حدٍّ يمكن أن تؤثر «صحافة المواطن» في الشارع العام؟
وهل باتت آلة التصوير الرقميّة والحاسوب الشخصي والمسجّل الصوتي أدواتٍ كافيةً لصناعة صحافة افتراضية تتيح لأيّ شخص أياً كان الكتابة والنشر والتوقيع على أنه “المواطن الصحفي”؟!
نعم كل ذلك ممكن، وبات معمولاً به، وتحوّل المواطن العادي من متلق إلى فاعل مؤثّر وفق منظومة عالمية تهدف لنشر ثقافة سوقٍ ما من دون الأخذ في الحسبان خصوصية المكان والعادات والأعراف.. لكن هذه الصحافة المستحدثة في وطن يعاني حرباً إرهابية سنوات عشراً يجب أن تكون على قدر كبير من المسؤولية، ومبنية على مبادئ الولاء والانتماء والمواطنة الحقّ، لأنّها وحدها الكفيلة بتقديم كلّ ما تيسّر من دعمٍ وتكاتفٍ وتعاضدٍ، أي كلّ ما يلمّ شمل الشارع السوري، والتسلّح بالوعي في وجه الأعداء القَتَلة الذين امتطوا ظهر عمالة إعلامية صفيقة وقحة في حربهم الإرهابية الوحشية على سورية.
وعلى المواطن أن يكون واعياً ومسؤولاً وأميناً على أمن وطنه، وألا يسهم أو يشارك عن قصد أو من دون قصد في هذه الحرب على بلاده، والذين ارتضوا أن يكونوا مأجورين ومرتبطين بأجندات خارجية، ويعملون متعمدين على تزوير الوقائع وبثّ الأكاذيب والشائعات لزعزعة استقرار بلادهم فليس ثمة وازع وطنيّ أو أخلاقيّ يثنيهم عن عمالتهم، أما الذين يشاركون في الإساءة من دون قصد عبر صفحات التواصل الاجتماعي فعليهم أن يدركوا أن منابر العالم الافتراضي يمكن أن تكون ممراً خطراً للشائعات ومصدراً كبيراً للمغالطات والتعميم الذي يمكن أن يبدأ بإشارة إلى فساد أو تقصير ومن ثم تعميم الخبر عبر كثرة تداوله ومشاركة رسائل غير معروفة المصدر لمعظم المؤسسات، أو عبر تداول معلومة غير صحيحة تحمل بين طيّاتها نيّات وأهدافاً خبيثة لتأجيج الشارع العام و«تقويض» الأمن، لذلك يجب الوعي جيداً وعدم الاستهانة بدورنا في حماية بلادنا والدفاع عنها كأفراد، ولاسيما في زمن حرب ضروس تستهدف الجميع وأن نكون جنوداً أوفياء، وإن بلا خوذ، والتعامل افتراضياً مع كل ما يُراد به الإساءة إلى وطننا كما لو أننا في قلب المعركة.