الهوامل والشوامل
لا يحتاج الوضع الراهن لحال «التسييس السعودي» لأي استفهام أو استهجان، وجلّ ما يحتاجونه استعارة مكنية وتمثيلية (شذوذ قاعدة) لعنوان كتاب أبي حيّان التوحيدي «الهوامل والشوامل» ليكون شرح معناه جواباً يليق بسلوكيات حكام بني سعود.
فالهوامل تعني الإبل السائبة، أما الشوامل فتعني الحيوانات التي تضبط تلك الإبل من حمير وكلاب.
ورمال صحراء شبه الجزيرة العربية باتت مسرحاً متحركاً تحت أقدام «هوامل» بني سعود الحاكمة، يضبط تحرّكها وسير مخططاتها «شوامل» خارجية متمثلة بتعليمات ترامب الرئيس والسياسة الصهيونية، حيث البوصلة، قولاً وفعلاً، صهيو-أمريكية، وسيناريوهات من قبيل «العودة إلى الوراء» وتهذيب اللحية الوهابية بمفهومها وأيديولوجيتها إلى أيديولوجيا أخرى قوامها «الوسطية والاعتدال».
وقبل ذلك ارتكاب التأثير في مزاج الجمهور المحكوم بتعاليم ونصوص تكفيرية بسماحهم للمرأة بقيادة السيارة، وتحجيمهم دور هيئة الأمر بالمعروف، وكسر المحرمات بفتوى أنها مكروهات وليست محرّمات.
ولا نبالغ إذا قلنا: إن تصوير السيناريو الروائي (محاربة الفساد) هو سيناريو معتمد على مخيلة قصصية «لشوامل» باتت بحاجة لتخطيطاتها واستراتيجياتها «هوامل» العائلة «الداشرة» كخطوة هروب للأمام في ظل واقع محلي مهزوز هم فيه «البؤرة» الأساس في الفساد.
ففِي سجونهم (المتدين والتاجر والأمير)، وهناك ظروف حرب فاشلة ضد اليمن لا «يحزمون» فيها ولا «يعصفون»، بل لقد كُشفت عورتهم بانكشاف دعمهم اللامحدود للإرهاب والمرتزقة في سورية والعراق.. كل ذلك وأكثر جعل مملكة الرمال بيئة جاهزة لاحتضان مخيلة الكيان الصهيوني بأي سيناريو يفرض على حكّامها لإعطاء مرونة لخطوط أملهم طويلة الأمد من دون دراسة خصائصها مادامت النتائج والآثار المُحتملة للخيارات والسياسات هي تبرير العلاقات الاستثنائية مع أميركا والتحالف معها ضد إيران، وإعلان قبول التطبيع مع «إسرائيل» صراحة، ودعم عملية اتخاذ المملكة قراراً مستقبلياً بات (قاب قوسين وإجراء) لتبادل السفراء بين «تل أبيب» والرياض من دون دراسة العواقب، وباتت مملكة الرمال في قلب العاصفة مثلما «تباسلت» في أن تكون مصدر العواصف لتطورات دراماتيكية تشهدها..
وأياً كانت المشاهد التأثيرية المفتعلة من قبل (الهومل) ولي العهد السعودي، و«تويترات» غلاميه السبهان والجبير الذي عدّ «الحوثيين أداة إرهابية في يد إيران تنتهك القانون الدولي في اليمن وتروّع الآمنين وتقتل الأطفال، وتزودهم بالصواريخ وتشنّ عدواناً عسكرياً مباشراً تحتفظ المملكة بحق الرد عليه»، ليتفاصح السبهان وينعق مهدداً بمعاملة حكومة لبنان «كحكومة حرب بسبب حزب الله..» كل هذا ليس إلا إفرازات لساعات سمر وأيام قضاها محمد بن سلمان برفقة صهر ترامب (جاريد كوشنر) اليهودي، الذي تقاسم مع «عمّه» الافتقار للحنكة السياسية وميراثاً خيالياً من الأموال، ولاسيما في مجال العقارات، حيث ناطحة سحابه لا تبعد كثيراً في نيويورك عن برج ترامب.
لنضيف هامشاً استنادياً لسؤال «دانيال غولدن» في كتابه (ثمن القبول): كيف تتمكن الطبقة الحاكمة في أميركا من شراء الجامعات؟ والمقصود هنا شارل كوشنر والد المذكور جاريد، لنتساءل بدورنا عن «ثمن القبول» باليهودي ضيفاً مرحّباً به في أروقة قصور بني سعود بزيارات أفرزت مشاهد ساخنة يشدُّ اللحاف فيها ولي العهد السعودي لينام قرير الحكم بين أحضان الساسة الصهاينة، بينما «يغرّد» رعاته ومؤدبوه بحنجرته، ويساعدونه في ختم الصكوك وخلق وقائع جديدة تضعه وجهاً لوجه مع إيران، وتنتقل معها بيانات إذاعته من اليمن إلى أصقاع جديدة، تدق فيها الطبول وينشد من خلالها التخفيف من وزر هزيمته، سعياً لاستدراج مساعي التوسط والتهدئة تفادياً للتورّط في هاويات أوسع، ولفتح حوارات وعقد مفاوضات للانخراط في تسويات حول سورية ولبنان، لتكون مملكته الجدار الأول لبحث إسرائيلي كيف ستكون احتمالات الرد، وكم من الأهداف يمكن أن تُسجل في مرمى جغرافيتها إن حدث وتكررت الأفعال الصبيانية بتجاوز الخطوط الحمراء، أو أي تسلل لميدان لا تحسب عواقبه «هوامل» بني سعود ولا «شوامل» بني صهيون؟!
m.albairak@gmail.com