«أمريكا وحدها»
ترامب كان يردد خلال حملته الانتخابية للرئاسة مقولة «أمريكا أولاً»، لكن يبدو من الأجدى له اليوم ترديد عبارة «أمريكا وحدها».
صدمة مستشاريه التي وصلت حدّ توصيف وزير خارجيته بـ«الأبله» لن تكون الوحيدة، ولاسيما أن تيلرسون يفاجأ من قلة معرفة ترامب بالسياسات الخارجية، ليحقق لأمريكا رقماً قياسياً في الانسحابات من الاتفاقيات والهيئات الدولية، وليضيف فصلاً جديداً لكتابه «فن الصفقات»، مبرراً انسحاباته صراحة بأنها مصلحة «أمريكا أولاً» من دون النظر لمصالح الشركاء.
ترامب كان قد وصف انسحابه من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي «بالشيء العظيم» للعامل الأمريكي، وبأنه «مخرج محقق من احتمال حدوث كارثة اقتصادية لبلاده»، لكنه تناسى الكوارث البيئية التي حلّت ببلاده حين انسحب من اتفاقية باريس للمناخ رغم الإنذارات البيئية التي طالتها من خلال إعصاري «هارفي وايرما»، ولم يرَ إلا ثلاثة تريليونات دولار خسارة من إجمالي ناتج بلاده المحلي، إضافة إلى خسارة 6.5 ملايين وظيفة، وتجاهل «التاجر الرئيس» مخرجات التغيّرات المناخية، وروّج هو وإدارته لصناعة المناجم الأمريكية، متراجعين عن خطة «الطاقة النظيفة»، لينسف بذلك إرث سلفه البيئي والاقتصادي والسياسي، وخاصة إذا ما أعلن انسحابه العملي من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات على إيران، ليحطم صحيح معادلة مجموعة «5+1» بعملية طرح رياضية يتخلى فيها ترامب عن شركائه، الذين بذل أوباما السلف ما يقرب من 20 شهراً من المفاوضات هو وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا وفرنسا ليتفقوا مع إيران بشأن برنامجها النووي، وليصفع مستشاريه وإدارته والدول الشريكة بتصريحه عن «السياسة الجديدة» التي لن تخصّ كوبا فقط، بل ستصل حدّ الوعيد لطهران بأن تنتظر منه «سكون ما قبل العاصفة»، ليشعل فتيل احتمالات ردود إيرانية في حال اتخاذ أي إجراء حيال الاتفاق النووي.
إذاً، سياسات ترامب الحمقاء لن تقف عند حدّ أحادية «مُلك» الولايات المتحدة الأمريكية «لا شريك لها»، فترامب يجيد ربط التبريرات السياسية بالمال، لذا فإن تبرير انسحابه من عضوية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونيسكو» حاضر سلفاً، فديون المساهمات المالية وإصلاح النظام المالي للمنطقة هما السبب وراء فعل الانسحاب، لكنه بانسحابه هذا جاهر بموقفه المساند للكيان الصهيوني الذي عدّته «يونيسكو» سلطة احتلال.
سياسات ترامب التي شكّلت ضربة قاسية لدول العالم الشريك مع أمريكا بعدة اتفاقيات جعلتهم في حالة استنفار دولي حدّ اتهام بعض الدول له ولإدارته بأنهم ضحوا بالعلاقات الاستراتيجية ما سيوصلهم لمستقبل وخيم يدفع بواشنطن للعزلة، فيما صمت بعضهم على مضض وكأنهم في انتظار تحركات انسحابية جديدة لترامب، يحقق فيها المذكور إضافة سياسية فاشلة في تاريخ أميركا، ويكون بذلك صاحب نهج فريد من نوعه يتفوق فيه على نوح وينستر الذي «تواضع» الرئيس الأمريكي ولم ينسف قاموسه، واكتفى بفعل إضافات لغوية فيه، وهو «المغرد» بكلمات لا وجود لمثيلها في معجم، بينما تفرّد ترامب بسياسته ليكون صاحب علامة تجارية «أمريكا وحدها»، لتنتظرهم جهنم علاقات دولية وبئس مصير.
جاء في الأثر:
– البحر شاسع لأنه لا يرفض أي مياه تتدفق إليه، والجبل عالٍ لأنه لايرفض أي قطعة من تربة أو حجر.
– يقود الطيش إلى فقدان الاستراتيجية وتقود الفظاظة إلى الإهمال، إذا وقع المرء في الخطر مفتقراً إلى الاستراتيجية والحذر، فكيف يمكنه أن يهرب من الهزيمة؟