أميركا وكيانها.. شد حبال في اتجاهين/ مع وضد/
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
إما أن الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي يمارسان ما يشبه لعبة شد الحبل، إذا ما أخذنا بالاعتبار أجندات أميركية تختلف وتتداور مع ما تشهده المنطقة من تطورات جيوسياسية وانزياحات اقتصادية كبرى.. وإما أنهما متوافقان على اللعبة ذاتها وعلى الحبل نفسه، أي على الطريقة وعلى التنفيذ وبما يحقق في النهاية المخططات المبيتة، بغض النظر عن الفروقات التي تطفو بين الحين والآخر ويضخمها الإعلام بصورة متعمدة أو بلا فهم، لا فرق.
.. وإما أننا نحن في المنطقة لا نفهم اللعبة الأميركي/الإسرائيلية جيداً، فنغرق في التفاصيل، أو نسمح بإغراقنا، أو لنقل نفهم ونتقاعس، نفهم ولا نستطيع بمعنى لا نريد، أو نفهم وليس من إمكانية للفعل، أو النجاح في ظل أن الأمة رغم كل ما شهدته خلال العقود الثلاثة الماضية، وما تشهده منذ تشرين الأول 2023 والمستمر حتى الآن، من حروب واضطرابات وفتن داخلية وخارجية وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ثم لبنان.. رغم كل ذلك فإن الأمة ليست على كلمة واحدة.. ولا على قلب واحد.. ولا على مستقبل واحد، وهذا جوهر كل كارثة ونكبة أحدقت بالأمة.
وفيما الولايات المتحدة الأميركية تدخل مرحلة انتقالية سياسية، مع اقتراب يوم الانتخابات الرئاسية في الـ5 من الشهر المقبل، فإن الكيان الإسرائيلي يبدو أقل قلقاً لناحية النتائج، ربما لأنه مقتنع بأن دونالد ترامب هو من سيفوز بها، وربما لأنه أياً كان الفائز فلن يكون هناك فرق. المحللون الأمريكيون يرون – ويقولون علناً وصراحة – إن الكيان الإسرائيلي عندما شن حربه على غزة ثم لبنان، كان يقود حرباً أخرى بالتزامن تعيد هيكلة العلاقة مع واشنطن وفق المرحلة الإقليمية/العالمية الجديدة. ويحذرون في اتجاهين: يحذرون واشنطن من الانجرار إلى حرب إقليمية يريدها الكيان ويرى أن كل مسبباتها وموجباتها قائمة وبما يخدم أهدافه التوسعية.. ويحذرون الكيان مغبة «أن يُنظر إليه في واشنطن باعتباره عبئاً استراتيجياً» وفق تعبير مجلة «ناشيونال انترسبت» الأميركية، يوم الثلاثاء الماضي.
لكن هذا الاتجاه الذي تحذر منه الصحيفة الأميركية لا يبدو منطقياً في ظل كل الإجراءات التي تتخذها إدارة الرئيس جو بايدن (والتي لن ينقضها خليفته المقبل بل سيزيد عليها) ومنها تزويد الكيان بمنظومة «ثاد» الدفاعية الصاروخية. هذا يعني أن الكيان لن يكون في أي يوم عبئاً على أميركا، ورغم كل ما يطفو على السطح من خلافات (في أغلبها مسرحية متفق عليه التحصيل أقصى قدر من المكاسب والضغط) إلا أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية لا يمكن إلا أن تكون جيدة.. كليهما يمثل للآخر ورقة رابحة على الدوام.
لكن الحديث هنا بالنسبة لفريق من المحللين الأميركيين يتعلق بشكل أساسي بالجهر الإسرائيلي في قضايا إشكالية بالنسبة لأميركا وفي غير وقتها، كأن يخرج بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الكيان، ويصرح بأن كيانه يحارب إيران نيابة عن أميركا والغرب، مطالباً واشنطن بمنحه أدوات إنجاز المهمة بشكل أسرع.. أو عندما يُظهر العنجهية والازدراء لكثير من التصريحات الأميركية، ومنها ما أعلنه بايدن في مرات عديدة بخصوص مسار الاتفاقات والتسويات. أو أن تكون كل سياسات/مخططات نتنياهو تتركز على التضييق في الخيارات وحصر واشنطن في اتجاه واحد، هو الحرب الموسعة.
لكن نتنياهو لم ينجح ولن ينجح. لماذا؟.. ربما لأنه لا يجيد قراءة الخريطة العالمية الجديدة، ولا موقع الولايات المتحدة فيها، ولا سياساتها في التعاطي مع المخاطر العالمية الوجودية التي تحيق بها.. وفي المنطقة لا يجيد قراءة كل ذلك الحذر الأميركي في التعاطي مع دولها، خصوصاً «الحليفة» ولا يرى كيف تتشعب القضايا والأزمات وتستعصي في وجه واشنطن.
لقد استمرت إدارة بايدن لأيام طويلة تتحدث مع نتنياهو وزراءه في سبيل أن يأتي «الرد» الإسرائيلي (السبت الماضي) متناسباً وبما لا يدفع إيران إلى رد مقابل هائل يُجبر واشنطن على إرسال «جيشها» للدفاع عن «إسرائيل».
مع ذلك ما زالت نبرة التهديد عالية بين الجانبين، بمعنى أن فتيل الحرب الموسعة تم نزعه إلى حين فقط، ونحن هنا نتحدث عن الكيان الإسرائيلي تحديداً الذي يقود التصعيد ويريد فتح أي باب للحرب الموسعة.. والعين دائماً على إيران.
أياً يكن، لن يتوقف الكيان عن التصعيد، وتالياً لا اتفاقات ولا تسويات قادمة في المدى المنظور، ليس وهو يرى أن المعادلات في المنطقة وصلت إلى ذروتها ضده، ليس وهو يرى تغير الأولويات الأميركية باتجاه الشرق/ آسيا، وخصوصاً الصين، ومن سيأتي لاحقاً، كالهند مثلاً.
ربما من السابق لأونه وضع توصيفات نهائية أو تحليلات ثابتة حول ما ستكون عليه المرحلة المقبلة، رغم كل ما يُساق حالياً من فرص لتسويات وإمكانية تحقيق وقف لإطلاق النار في لبنان رجوعاً إلى غزة. علينا الانتظار لما بعد الانتخابات الأميركية لمعرفة هوية الإدارة المقبلة وبرنامج عملها، وبعدها يكون لكل حادث حديث.