مُغالطات أزمنة الحرب

تشرين- إدريس هاني:

الحرب هي امتداد للسياسة بكيفية أخرى، وهنا في عبارة “كيفية أخرى” تكمن الحكاية كلّها، وهذا ليس هو موضوعنا الآن، بل نريد الوقوف عند الجانب الإعلامي وخطاب البروباغاندا الذي يواكب الحروب بما فيها حروب الإبادة التي تسعى لتبرير جرائم الحرب عبر الإقناع الزّائف، ما هو مقدار السياسة في الدّعاية، وهل يوجد إعلام بريء حين يختار إدانة الضّحية “بكيفية أخرى”؟

إنّ فكرة الامتداد تضعنا أمام حقيقة نتجاهلها، وهي أنّ السياسة في زمن الرّداءة هي الأخرى امتداد للأمزجة غير المعتدلة، السياسة كامتداد للحقد “بكيفية أخرى”.

يمكن استيعاب درس آخر في المغالطة من خلال خطاب الدعاية للاحتلال، ومحاولة تصويره احتلالاً ناعماً، عبر مغالطة تجريم الضحية أو منح تبرير للحرب خارج جدل علاقة المحتل بمن يقع عليه الاحتلال. تهريب القضية من جريمة احتلال إلى قضية عدوان على الاحتلال، هنا نمسك بالضّحالة في كل خطاب يختبئ خلف عناوين الأنسنة والديمقراطية والتّسامح، وما أكثر المفاهيم التي باتت تُرساً تختفي خلفه الهمجية والحقد والتّفاهة.

ثمّة شعب يعاني من إرهاب الاحتلال، ويوميات القمع والحصار دالّة بما لا مجال لإخفائه، وثمة مسؤولية تاريخية أمام شعب يقع تحت الاحتلال، مسؤولية مقاومته، وثمة مسؤولية تاريخية وإنسانية أمام العالم تضامناً مع شعب يتعرض لحرب إبادة، يُختبر الضمير الإنساني هنا، وليس في صالونات تبادل الوهم، كما يختبر صدق الموقف هنا، في الموقف من حق شعب يمارس واجب التحرر الوطني، الدروس التي تعطى لشعوب تعيش في معمعان الاحتلال، هي وقاحة فائقة، بل وعدوانية جبانة تختفي خلف مفاهيم فقدت براءتها.

حين يصبح الخطاب السياسي المواكب لحرب الإبادة يشغل الرأي العام بهذا النزيف من المغالطة، فهو خطاب يشكل امتداداً لسياسة الاحتلال وليس وجهة نظر، فالأمور بخواتمها، ولعبة تزييف الواقع ولو بصورة كيدية تستبلد الرأي العام، هي لعبة فاشلة.

لو أنصتت الأمم إلى خطاب سحلِّيات الهزيمة، ونفثها لسمّ المغالطة، لما قامت لها قائمة، ولما تحرر بلد من جحيم الاستعمار، إنهم يعطوننا فكرة عن الخونة الذين كانوا وشّائين بالوطنيين لدوائر الاستعمار، أبناء خونة الحركة الوطنية كُثر، والمتاجرون بالمفاهيم الرخوة التي أنتجها غيرهم كُثر، لكنهم يضطرونا لتغيير المفاهيم أو منحها قيوداً جديدة حتى لا يختلط الخير بالشّر، وحتى لا تكون رخوة أمام اختراق المغالطة، وهذا هو ما نسميه بتحرير المفاهيم من قبضة قراصنة المعنى.

ومع ذلك، فقوى التحرر الوطني غير الآبهة بنفث الكيد الإعلامي، ماضية في إنجازاتها، وهي كما فعلت من قبلُ تعرف أنّ الاحتلال يترنّح ويعوّض خسارة الحرب بقتل المدنيين، ولكنه مهزوم منذ بات هدفاً للوطنيين الذين وصلوا إلى عمقه وشلّوا حركته في الدّاخل، إنّ تلك الإنجازات لا يراها عبيد الكيدية، ولكن الاحتلال الأسطوري بات مجرد قوة إبادة ضدّ العزّل، وأمّا قواعد الإشتباك بمستوياتها الميكانيكية والسيبرانية، فهي فائقة بين القوى الكبرى، ليس لسنافير الفضول الاستراتيجي من معطياتها ولا أدوات تحليلها سوى مزاعم يهرولون بها فوق ركح التّفاهة بسراويل “مّي لالّه”، والقشبلة والزرولة الاستراتيجة… قريباً ستتدحرج كل أحكام قيمة تحت أقدام مكر التاريخ والتحرر، لا تستعجلوا، واصلوا الفرجة على وقع صبيب وكشيش الشّاي، فسوف ترون عجباً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار