«وول ستريت جورنال»: أوكرانيا تضع أوروبا أمام الخيار المؤلم.. الحرب في مواجهة الرفاه الاجتماعي
تشرين:
في الوقت الذي يبدو فيه الإعلام الأوروبي ملكياً أكثر من الملك (بمعنى أميركياً أكثر من أميركا نفسها) فيما يخص أوكرانيا وروسيا، يُظهر الإعلام الأميركي مفارقة غير مفهومة في تناوله هذه المسألة، وفي تحذير الأوروبيين من مغبة استمرار الحرب الأوكرانية من جهة، والذهاب إلى مديات أبعد في مسار معاداة روسيا، من جهة ثانية، وبما يقلص تباعاً – إلى العدم – امتيازات الرفاهية التي وفرتها عقود السلم ما بعد الحرب العالمية الثانية. إنهم يقامرون بصورة خطيرة وغبية تهدد مكتسباتهم الاقتصادية والاجتماعية، وفق صحيفة «وول ستريت جورنال الأميركية» في عددها اليوم الاثنين، مشيرة إلى أن أوروبا وصلت إلى النقطة التي توجب عليها أن تختار ما بين الحرب وبين الرفاه الاجتماعي.
تقول الصحيفة الأميركية: أوروبا تواجه اليوم أزمة في الخيار ما بين الحفاظ على مستويات الرفاهية داخل مجتمعاتها، وبين زيادة الإنفاق العسكري لبناء القوة في ظل التهديدات التي تواجهها.
وتضيف: عندما انتهت الحرب الباردة، خفّضت الحكومات الأوروبية ميزانياتها العسكرية، وأنفقت عدة مليارت من الدولارات على البرامج الاجتماعية، الأمر الذي حظي بشعبية كبيرة لدى الناخبين، في زمن كانت أوروبا تواجه القليل من التهديدات الخارجية، وتتمتع بالحماية الأمنية للولايات المتحدة.
أمّا الآن، فتجد الدول الأوروبية نفسها في مأزق، بسبب «صعوبة في التخلي عن مزايا السلم، رغم محاولات إحياء توترات الحرب الباردة، تزامناً مع الحرب على أوكرانيا، فمن السهل استبدال البنادق بالزبدة، ولكن العكس أصعب بكثير».
وعلى الرغم من الوعود بزيادة الإنفاق العسكري، تضيف وول ستريت دورنال « يكافح وزراء الدفاع من أجل الحصول على ما يحتاجون إليه».
وفي هذا الإطار، صرّح وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس للصحافيين مؤخراً، قائلاً بعد أن حصل على أقل بكثير مما طلبه للإنفاق العسكري العام المقبل: «هذا يعني عدم القدرة على القيام بمهام معينة بالوتيرة التي يفرضها مستوى التهديد، وهذا محبط بالنسبة لي».
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أنه من المرجح أيضاً أن «آمال الولايات المتحدة في التخفيف من العبء الأوروبي عن كاهلها، سيضاعف من إحباط وزراء الدفاع في أوروبا إذ قال المرشحان للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب وكامالات هاريس إنهما يريدان أن تتحمّل أوروبا المزيد من تكاليفها الأمنية».
وتشير الصحيفة إلى أنه خلال المفاوضات حول ميزانية ألمانيا لعام 2025، في وقت سابق من هذا العام، أراد وزير المالية كريستيان ليندنر، تحرير أموال إضافية مخصصة للدفاع، عن طريق تجميد الإنفاق الاجتماعي لمدة ثلاث سنوات، فقوبل الأمر بالرفض من قبل الأحزاب الأخرى في الائتلاف الحاكم.
وعلّق وزير الشؤون الاقتصادية الألماني، روبرت هابيك بالقول: نحن نفكك دولة الرفاهية، لأننا بحاجة إلى المزيد من الأموال للجيش، وهذه فكرة قاتلة، معتبراً أنّ ألمانيا لا تواجه تهديداً خارجياً من روسيا فحسب، بل تهديداً داخلياً من الناس الذين خاب أملهم في الديمقراطية، والإنفاق الاجتماعي ضروري للحفاظ على تماسك البلاد.
وتقول وول ستريت جورنال: إن المستشار الألماني، أولاف شولتز، وعد بعد أيام من العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا بأن ترفع برلين الإنفاق العسكري إلى ما فوق 2% من الناتج المحلي الإجمالي، كاشفاً النقاب عن صندوق استثمار خاص بقيمة 100 مليار يورو من خارج الميزانية لإعادة التسلح. ولكن بعد عامين، تضيف الصحيفة «لم يتجاوز الإنفاق العسكري الإجمالي عتبة 2%».
وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي شبكة الأمان الاجتماعي العامة في البلاد 1.25 مليار يورو، العام الماضي، بزيادة بلغت 27% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالتالي لم تنجح محاولة شولتز في جعل العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا «نقطة تحول» في الإنفاق العسكري في ألمانيا، وإعادة بناء القدرات العسكرية.
كما تراهن الأحزاب السياسية الناشئة، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، على أن شهية الجمهور تجاه زيادة الإنفاق العسكري، ضعيفة جداً، وهو ما يؤكده فوز الحزب بولاية تورينغن شرقي ألمانيا، وملامسته للفوز في ولاية ساكسونيا، من خلال التعهّد بمزايا جديدة مثل الوجبات المدرسية المجانية ، والوعد بالسعي إلى تخفيضات في الإنفاق العسكري.
كما حقق حزب BSW»» في أقصى اليسار، نتائج جيدة في الانتخابات من خلال الوعد «بالزبدة على الأسلحة».
وفي الوقت نفسه، واجهت المشاريع العسكرية، في الصيف الماضي، احتجاجات لمئات المتظاهرين والسياسيين المحليين من أقصى اليمين وأقصى اليسار بالقرب من قاعدة جوية مهجورة، لمنع شركة Rheinmetall الرائدة في تصنيع الأسلحة في البلاد من بناء مصنع ذخيرة جديد في الموقع، بهدف تزويد أوكرانيا بالعتاد.