شاشات الرعب العابر للقارات تتوعد أطفالنا.. من يفرض حصون الحماية التي لم نفكّر بها بعد؟

تشرين- إلهام عثمان:
في عالم يهوج ويموج بالتكنولوجيا ويفيض بابتكارات الميديا، نرى أنفسنا محاصرين في بحر لا نهائي من المحتويات المتدفقة، فيكاد لا يمر يوم من دون أن نصادف تحديثاً جديداً على منصات التواصل الاجتماعي، أو عرضاً لمسلسل جديد على شبكة البث المباشر، أو لعبة فيديو تصبح حديث الساعة، وبينما تبدو هذه التطورات مثيرة وجذابة لكل الأعمار، إلا أن الواقع الخفي خلف هذه الظاهرة يستحق وقفة نقد ومساءلة.

أطفالنا.. يلقنون قسراً بثقافة شاشات صنعت ليس لتنمية عقولهم بل لاستنزاف طاقاتهم البريئة

أم روان تبين في حديثها لـ”تشرين” أنها غير قادرة على “سحب” هاتفها من يد ابنتها الصغيرة ذات الـ٩ سنوات، منوهةً إلى أنه قد غلب على أمرها بعد عدة محاولات تكللت بالفشل، تبقى ابنتها في عزلة شبه تامة عن أقرانها مكتفية بابتسامة بريئة في وجه اللوح الإلكتروني.

الأثر السلبي للميديا
د.معتصم صالحاني خبير اجتماعي كشف من خلال حديثه لـ” تشرين”، أنه بداية، من المهم أن ندرك أن الولوج غير المنظم للمحتويات الإعلامية قد حول الكثيرين إلى ضحايا لهذا التدفق الإعلامي، فماذا يعني هذا على أرض الواقع؟ بالدرجة الأولى، نجد أن الإدمان على هذه المنتجات أصبح ظاهرة خطيرة تفوق في خطورتها الإدمان التقليدي على المخدرات والجريمة، مبيناً أن تلقائية الأحداث وتكرارها المستمر جعل الأفراد لا يشعرون بزمنهم، وكأن حياتهم تجري برتابة متسارعة بلا معنى حقيقي وبمعزل حقيقي متقوقع من دون أن نشعر.

عشوائية أستهلاك الميديا
كما أكد صالحاني أن عشوائية استهلاك الميديا تفقد الأفراد سيطرتهم على حياتهم اليومية وعلى وقتهم، وعلى علاقاتهم الأسرية والاجتماعية، ما يؤدي إلى تدهورها بالمعنى الحقيقي، مشدداً على أن هذه الظاهرة توجِد حالة من الانعزال الاجتماعي غير المرئي، حيث يكتفي الشخص بالاندماج في عالمه الافتراضي متجاهلاً مسؤولياته الواقعية.

التحدي الأكبر لأولياء الأمور وكيفية مواجهة المحتوى الرقمي لحماية أطفالهم من تأثيراته المدمرة

ثقافة الشاشات
يؤكد صالحاني أنه في عصرنا “التكونولوجي”، يجد الأطفال أنفسهم غارقين في عالم الميديا المتلاطم، حيث يلقنون قسراً بثقافة شاشات صنعت ليس لتنمية عقولهم، بل لاستنزاف طاقاتهم البريئة، بين إعلانات تغريهم بألعاب بلا فائدة وأفلام تشوه براءتهم بمحتوى عنيف أو غير ملائم، نجد أطفال اليوم يسلبون حقهم في عيش طفولتهم بكل بساطة، لجذب انتباههم، لتقدم الميديا لهم عالماً مبهجاً ملوناً لكنه.. مزيف، يدفعهم بعيداً عن القراءة واللعب التقليدي، ويغمسهم في عوالم خيالية لا تنتهي، لكن هنا يظهر التحدي الأكبر لأولياء الأمور الآن، وذلك بكيفية مواجهة هذا السيل الجارف من المحتوى الرقمي وحماية أطفالهم من تأثيراته المدمرة؟

السلبيات
وفي ذات السياق أشار صالحاني لمجموعة من السلبيات الكبيرة التي توازي هذه الظاهرة ومنها: إدمان الميديا”: وقضاء ساعات طويلة من دون وعي أمام الشاشات الذي يضر بالصحة العقلية والجسدية، و”عدم التركيز”: الذي يسبب تشتت الانتباه وإضعاف القدرة على التركيز في المهام اليومية، “وتعزيز القلق والاكتئاب، خاصة عند مواجهة محتوى مثير للجدل أو محزن (أحداث غزة)، بالإضافة “للتعرض للإشاعات”، كانتشار الأخبار الكاذبة والأحداث المشوهة من دون التأكد من صحة المصادر.

صالحاني: توفر الخيارات الترفيهية الأسهل والأقرب للجيوب بدلاً من الخروج في نزهات مكلفة

الإيجابيات
ويعود ليؤكد صالحاني هنا، أنه لكل اختراع سلبياته وإيجابيته، ولا يمكننا أن ننكر أن للميديا الحديثة بعض الإيجابيات، مثل التعلم المستمر، بالوصول السريع إلى معلومات جديدة وتوسيع آفاق المعرفة، والتسلية والترفيه، من خلال توفير عدد لا حصر له من الخيارات الترفيهية التي باتت حالياً الحل الأسهل والأقرب للجيوب، بدلاً من الخروج في نزهات بسبب الأوضاع المعيشية الخانقة، كذلك التواصل الاجتماعي، وذلك في الحفاظ على الروابط الاجتماعية وتجديدها عبر الزمن والفجوة الجغرافية.

نصائح
التحكم بالوقت لاستهلاك الميديا هو الخيار الصحيح هذا ما بينه صالحاني، لذا لابد من تجنب الاستهلاك غير الضروري، واختيار المحتوى بعناية وخاصة للأطفال، فهم الحلقة الأضعف كونهم متلقين، والحذر في انتقاء المحتوى الذي نتابعه، والابتعاد عن المحتويات الهابطة، والعمل على أخذ استراحة ذهنية من الشاشة لإراحة العقلك والجسد، والتفاعل الاجتماعي من خلال الاشتراك في أنشطة واقعية تثري حياتنا الاجتماعية وتساعدنا على بناء علاقات صحية بدل العزلة الاختيارية.

وختم صالحاني: في نهاية المطاف، تعد عشوائية تلقي منتجات الميديا الجديدة سلاحاً بحدين يهدد بتحويل حياتنا إلى دوامة مضطربة، فلا بد لنا أن نتسلح بالوعي وأن نختار بعناية كيف نستهلك هذه المحتويات، لأننا فقط بالبصيرة والتحكم يمكننا أن نحول نعمة التكنولوجيا إلى أداة بناءة بدلاً من كونها خطراً يهدد حياتنا الاجتماعية والنفسية حسب رأيه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار