في الرحلة الشّامية «9».. ضيوفاً على الأب متى رزق في كنيسة مار تقلا

تشرين – ادريس هاني:
كانت معلولة محطّة أساسية لوفد البندقية، هناك تربض على صخرة كنيسة مار تقلا، حيث رفات القديسة تقلا ابنة أمير من الأمراء السلوقيين، تلميذة القديس بولوس، الهاربة إلى كهف بالجبل من بطش الأشرار، القرية الوحيدة في هذا العالم التي ما زالت تتحدث الآرامية، لغة المسيح، حيث معلولة بالآرامية تعني (مدخل)، وهي بلدة نشأت منذ أواخر العصر الحجري، ودخلت معلولة إلى العصر اليوناني وحضارته عام 333 قبل الميلاد حيث عُرفت بـ «بنكرابوليس».
كنيسة مار تقلا تابعة لطائفة الأرتذكس، ويوجد أيضاً كنيسة تابعة لليونان الكاثوليك، وهي كنيسة سيرجيوس وهو مار سركيس.
إنّ عبق التاريخ الروحي لمعلولة يمنح سورية امتياز أقدم الحضارات الروحية، حين نقف على مآثر ما تحتويه هذه القرية التي يشعّ منها السلام والأمن، غير أنّ يد الإرهاب امتدت للقرية الآمنة، وقد وقفنا على العبث الذي طال متحفها وأرشيفها الذي يحبل بالوثائق والأيقونات التاريخية، حتى أن آثار الحرق طالت تفاصيل الفسيفساء والكتابات والصور، ما الذي أغضب الإرهاب والتطرف لمد يد الشرّ لقرية آمنة يعيش أهلها على سبيل السلام وأنفاس القديسة مار تقلا؟ ستظل معلولة شاهدة على طبيعة العنف الهمجي الذي قضّ البنيات الروحية فضلاً عن التحتية، لكل المعالم الأثرية والتراث الروحي والإنساني، في همجية تصالحت مع الإمبريالية، لتقتل الإنسان وتخرب النسيج الاجتماعي والروحي في سورية تحت شعارات ملونة ليست الديمقراطية إلاّ واحدة منها، أهل معلولة يدركون من هو العدو الحقيقي لسورية، وهم مدينون، في إعادة ترميم أنقاضها والنهوض بالكنيسة، إلى الرئيس بشار الأسد الذي منح عناية استثنائية لإنقاذ أعرق كنيسة في الشّرق.
استقبلنا بحفاوة كاهن كنيسة مار تقلا، الأب متى رزق، ووضعنا في صورة ما شهدته هذه الكنيسة والقرية من آثار الإرهاب، وهم يحتفظون بوثائق التدمير والتخريب.
اليوم معلولة بخير، ولقد جرى حديث روحي بيننا وبين الأب متى، كما شربنا من مائها المقدس، البارد الزُّلال، وطفنا في مداخلها، والتقينا ناسها وبعض عوائلها، وكان لي همّ آخر يتعلّق بالآرامية كواحدة من عوائل اللغات السامية، حيث سألت بعضهم عن بعض المفردات المشتركة آرامياً – عربياً، ولي في ذلك موعد آخر لتسليط الضوء على بعض الآراء الرائجة اليوم حول بعض المعاني العربية، لمن يزعمون إلماماً باللغة الآرامية في خوض كلامي ولاهوت تنقصه الوثيقة والتحقيق.
إنّ جغرافيا القرية الآمنة زادتها بهاء وتروحُنا ، فالصخر هنا يحمل سمت الروح، بمهابة فريدة، لوددت أن أقيم متكهّفا في بعض أكواخها طلباً للحكمة والسّلام، وكان الأب متى قد طلب من الصديقة دومينيكا زامارا فنانة الأوبرا العالمية مقطعاً، لتتحفنا بوصلة روحية مهيبة تناسب المقام، فسلام على مار تقلا ورعيل القداسة في معلولة الآرامية المسجّاة فوق الجبل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار