في طريقه إلى الاندثار.. المسحّراتي من تراث شهر رمضان المبارك
تشرين- إلهام عثمان:
ارتبط اسمه بشهر رمضان، ووثقت حضوره العديد من المسلسلات الدرامية والاجتماعية والتاريخية، ليطل علينا كل عام بلباسه التقليدي أحياناً وطبلته الصغيرة، إنه مسحّر رمضان الذي يجول بهدوء الشوارع والأزقة الدمشقية قبيل أذان الفجر، ليوقظ الناس بعبارات غنائية روحانية لينادي بصوته العذب أهل الحي “يا نايم وحّد الدايم”.
من هو المسحّر؟
ارتبط مسحّر رمضان ارتباطاً وثيقاً بتقاليدنا الشعبية الرمضانية، فقبل الإمساك بساعتين يبدأ المسحراتي جولته الليلية في الأحياء الشعبية, موقظاً أهاليها من أجل تناول وجبة السحور، فيقوم بالضرب على طبلته وصوته الجميل يصدح بأجمل الكلمات مما يضفي سحراً خاصاً وهو يردد: «قوم يا نايم وحد الدايم يـا غافي وحـد الله يا نايم وحد مولاك جاء رمضان يزوركم..»، وهو لا يغادر البيوت والشرفات حتى تنبعث الإضاءة من داخلها فيطمئن بأنه أيقظ الصائمين لوجبة السحور والاستعداد لصلاة الفجر وصيام يوم جديد.
أول مسحراتي
يعد دور المسحراتي أحد التقاليد الرمضانية المحببة والمحترمة ووفقاً للعديد من المصادر التاريخية، أول من نادى بالتسحير عنبسة بن إسحاق عام 228ه, وأول من أيقظ الناس على “الطبلة” هم أهل مصر وغالباً ما كان يصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح لتضيء له الطريق، أما في اليمن والمغرب فقد كان المسحّرون يدقون الأبواب بـ”النبابيت”، وعند أهل الشام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطنابير وينشدون أناشيد خاصة برمضان.
من اللافت أن المسحّراتي لا يتقاضى أجراً، وإنما ينتظر حتى أول أيام عيد الفطر المبارك فيمر على المنازل منزلاً تلو آخر، ومعه طبلته المعهودة، فيوالي الضرب على طبلته نهار العيد، فيهب له الناس بالمال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد بكل فرح.
ولكن مع تقدم الزمن وتطور المجتمع والتكنولوجيا بدأت هذه المهنة بالانقراض، واختفى المسحراتي من معظم الحارات والأحياء الشعبية، بعدما كان مشهوراً ومعترفاً به بقوة في معظم الدول العربية.
أساليب متنوعة
تنوعت الأساليب التي استخدمها المسحّرون على مر الزمن, واختلفت بين دولة وأخرى فمنها من استخدم المسحراتي فيها البوق، وأخرى استخدم فيها النفير، كذلك فإن بعض البلدان استخدم فيها المسحراتي الطبل أو الطبلة كوسيلة، لذلك سمي الطبّال أو «أبو طبلية»، وفي بعضها الآخر استخدم الدف والطنبورة والصفارة والقيثارة والعيدان.
طرائف التسحير
تجدر الإشارة إلى أن بعض المسحّرين كانوا يبتدعون أسلوباً خاصاً بهم، فيرددون أغاني تحمل معها الطرافة والفكاهة للتودد من الناس، ولفت الأنظار والتميز عن غيرهم من المسحّرين، فكانوا ينظمون قصصاً فكاهية مغناة، تدور حول مواقف ساخرة تعبر عن إدراك لمشكلات اجتماعية معينة, ومن النوادر الطريفة أن التسحير لم يقتصر على الرجال فقط، إذ تطوعت بعض النساء لتسحير الصائمين في بعض البلدان العربية.
وختاماً.. أصبحت هذه الظاهرة مثل الكثير من مظاهر التراث التي ستندثر, و لم تعد اليوم كما كانت رغم أنها من العادة الرمضانية الروحانية التي توارثتها الأجيال, فاقتصرت في وقتنا الحالي على الراديو أو في التلفزيون معظم الأحيان رغم جمالها ودفء حضورها اللافت.