ملف العلاقات السورية – التركية إلى دائرة الضوء مجدداً مع زيارة بوتين المرتقبة إلى تركيا.. أي مستجدات قد تدعم استئناف مسار التطبيع؟

تشرين – مها سلطان:
رغم إن الكثير من الملفات ستكون على الطاولة، إلا أنه وبمجرد الحديث عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، والمرتقبة غداّ الاثنين.. بمجرد الحديث عن هذه الزيارة لا بد من أن يعود ملف العلاقات السورية – التركية إلى دائرة الاهتمام مجدداً ومعه جملة الأسئلة التي تتركز حول إمكانية استئناف مسار التطبيع في إطار اجتماعات الرباعية التي توقفت كلياً مع نهاية النصف الثاني من العام الماضي 2023، وعما إذا كانت هناك مستجدات على المواقف في ظل كل ما شهدته وتشهده المنطقة من تطورات متفجرة ما بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي.

– لا تفاؤل
ورغم إن ملف سورية والعلاقات السورية – التركية هو من ضمن الملفات الرئيسية التي سيتم بحثها خلال لقاء الرئيس بوتين مع الرئيس رجب أردوغان – حسب تصريح لوزير الخارجية التركي حقان فيدان قبل أيام لقناة «أي خبر» التركية – إلا أنه لا تفاؤل بإمكانية إحراز تقدم.
فيدان قال: إن زيارة بوتين كانت مُخططة مسبقاً وسيتم خلالها بحث مواضيع الغاز والطاقة وقضايا الأمن وفي مقدمتها سورية.

سورية ملف متقدم في الزيارة إلا أن الميل يتجه نحو اللاتفاؤل، رغم أنه عملياً ربما لا نستطيع استباق ما سيجري خلالها أو ما ستخرج به على مستوى استئناف التطبيع

ويوم الأربعاء الماضي، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف: إن الاستعدادات متواصلة لاجتماع الرئيسين، ولكنه لم يحدد موعداً للزيارة، بعكس ما خرج خلال الأيام الماضية عن مصادر تركية أكدت أن الزيارة ستتم الاثنين المقبل. وكان بوتين وأردوغان التقيا آخر مرة في مدينة سوتشي في أيلول الماضي.
قبل حديث الزيارة، كان هناك عدة أحاديث متباعدة خلال الأشهر الأربعة الماضية حول العلاقات السورية – التركية، كانت في مجملها تصريحات، توسعت قليلاً خلال الاجتماع الـ21 لمسار أستانا الذي انعقد في العاصمة الكازاخستانية يومي 24و25 من شهر كانون الثاني الماضي… وعدا عن هذا التوسع بدت تلك التصريحات وكأنها «مقحمة» إذا جاز لنا التعبير، مقحمة في سياق الأحداث التي تشهدها المنطقة منذ عملية طوفان الأقصى، بحيث إن كل هذه الأحداث لم تترك أي مجال للتركيز على أي من القضايا الأخرى التي بدت «جانبية» قياساً بهذه الأحداث، رغم إن كل القضايا في المنقطة مرتبطة كلياً مع بعضها، ومع ما يجري على جبهة غزة المفتوحة على عدوان إسرائيلي وحشي مستمر منذ أكثر من أربعة أشهر، وخصوصاً أن ما يجري على جبهة غزة (والجبهات المساندة) خلط الأوراق بصورة كبيرة جداً، على كل المستويات، وبالنسبة لجميع الأطراف على اختلافها.. وعليه كان على جميع الأطراف إعادة الحسابات وترتيب الأوراق مجدداً، وهي عملية ستبقى مستمرة ومفتوحة، مادامت أن جبهة غزة لم تغلق بعد.
في كل الأحوال، ربما لا نستطيع استباق الزيارة وما سيتم خلالها، أو ما ستخرج به على مستوى استئناف التطبيع، إلا أن عودة التركيز على هذا الملف، هي أمر إيجابي، تدعمه بداية استئناف لحراك سياسي/أممي، حيث من المرتقب أن يزور المبعوث الأممي غير بيدرسون سورية في النصف الثاني من شباط الجاري لبحث «إحياء» مسار جنيف (اللجنة الدستورية) المتوقف منذ عام 2022 بعد سبع جولات لم تحقق أي شيء يذكر.
وعملياً كان هناك تصريحات روسيّة متفائلة حول إمكانية الخروج من وضع الجمود، سواء كان ذلك عبر تحركات روسية جديدة، أو حتى عبر «مسار جنيف». المهم ألا يبقى الوضع على جموده. وإذا ما كانت زيارة بيدرسون إلى دمشق إيجابية فمن المتوقع أن تنعقد جولة جديدة من مسار جنيف في النصف الثاني من هذا العام، على أن تنعقد في عاصمة عربية (لم يتم الاتفاق على أي عاصمة بعد وإن كان التوافق يتركز مؤخراً على الرياض وقبلها كان على مسقط)، ويرى مراقبون أن هذا الانتقال من جنيف (المتهمة بالتخلي عن حياديتها والتبعية للغرب) إلى عاصمة عربية هو أمر إيجابي على اعتبار أنه يحرر المسار من الضغوط الأمريكية التي قادت إلى فشله حتى الآن.

– فرصة سانحة
المراقبون يرون أن هناك فرصة سانحة في ظل «الحرج» المتصاعد الذي يحاصر الموقف الأمريكي في المنطقة وسط مسار تطورات جبهة غزة، وما تتعرض له القواعد الأميركية من ضربات قاسية (خصوصاً في سورية) أضعفت الموقف الأمريكي، بل هي وضعت أمريكا في موقف «الضعيف» في المنطقة، وعليه فهي تسعى إلى تجاوز هذا الموقف، وستلجأ إلى قليل من «المرونة» وهو ما

قد يَصب في مصلحة الحراك السياسي الحالي على مستوى الملف السوري عموماً، وعلى مستوى إمكانية العودة إلى مسار اجتماعات التطبيع بين سورية وتركيا.

في الفترة الماضية بدا كل حديث أو تصريح حول العلاقات السورية – التركية وكأنه «مقحم» في سياق الأحداث التي تشهدها المنطقة منذ طوفان الأقصى والتي لا تزال طاغية بتداعياتها وتطوراتها

على هذه الأرضية تأتي زيارة بوتين إلى تركيا، ونحن هنا نتحدث فقط عن شقها السوري، وحسب ما ذكرت تقارير إخبارية في الفترة الأخيرة فإن هناك استعدادات في موسكو لعقد اجتماع جديد لما يسمى الدول الضامنة (روسيا، إيران، وتركيا) من دون تحديد موعد مؤكد لها حتى الآن، وهناك توقعات بانعقاده في النصف الثاني من هذا العام (قبل اللقاء الـ22 المرتقب للجان أستانا). بكل الأحوال لا بد من انتظار ما ستخرج به مباحثات بوتين أردوغان، فإما أن يكون ما بعده (إيجابياً)، وإما أن نعود إلى المربع الأول، مربع الجمود، أياً يكن الحديث بشأن نتائج الحراك السياسي الحالي، سواء على المسار الأممي (مسار جنيف) أو على مستوى الضامنين (اجتماعات الرباعية).

– لا جديد
وبالعودة إلى أنه لا تفاؤل بخصوص ما ستخرج به زيارة بوتين (بشقها السوري) فإن هذا اللاتفاؤل يأتي على الأرضية نفسها المستمرة لناحية الموقف التركي المتعنت والرافض لما يتطلبه ولما يتوجب على تركيا فعله على مستوى الاستحقاقات السورية في السيادة والأمن، وعلى رأسها الانسحاب من الأراضي التي تحتلها، ووقف دعم المجموعات المسلحة، وتأمين الحدود. وهذا كله يرفضه المحتل التركي في مواقف معلنة مستمرة. أو يغطي عليه بمواقف مخاتلة متحايلة من نوع أنه لا يريد البقاء في سورية، لكنه في الوقت ذاته يستمر في مشاريع التتريك على مستويات اللغة والتعليم والثقافة والتجارة، وصولاً إلى تتريك كامل لهذا المناطق (ولا يخفى هنا الهدف النهائي وهو السعي لضم هذه المناطق).
.. ومن نوع أن تركيا تحارب الإرهاب «أي قسد» ومجموعاتها فيما هي تتحالف مع من يدعم هذا الإرهاب ومع من يسعى لإقامة كيان له. المحتل التركي يدرك تماماً أنه لا يستطيع محاربة قسد أو القضاء على إرهابها – كما يزعم – ما دامت أمريكا تقف وراءها، ويدرك تماماً أن أمريكا لن توقف دعمها، وكل ما يستطيعه هو توجيه مطالبات (خلبية/ لا تقدم ولا تؤخر) لها لوقف هذا الدعم، لكنه يستغل هذا الوضع بالكامل لتسويغ احتلاله وإدامته، وكأن هناك اتفاقاً بينه وبين الأمريكي على أن هذا الوضع يخدم كليهما، وفي النهاية لا بد من أن يتوصلا إلى نقطة وسط فيما يخص «قسد» وإدامة الاحتلال التركي. طبعاً من نافل القول إن الاحتلال التركي يعرقل بشكل أساسي أمرين؛ الأول: محاربة الدولة السورية للإرهاب، والثاني: التخلص من المحتل الأمريكي.
حتى في الوضع «الجامد المجمد» القائم منذ توقف اجتماعات الرباعية والذي تكرس بعد عملية طوفان الأقصى، تستغله تركيا وترى فيه فرصة لتصعيد العسكرة والتتريك.

لا جديد في المواقف التركية المتعنتة لناحية رفض الاستحقاقات السورية وعلى رأسها الانسحاب.. وتركيا تستغل حالة الجمود في الملف السوري لمصلحتها

– الارتباط بتطورات المنطقة
أيضاً في مسألة اللاتفاؤل، لنعد هنا للتذكير بتصريحات روسية سابقة (خلال الشهر الماضي) أكدت أن«خريطة التطبيع ليست جاهزة بعد، وليس هناك اتفاق عليها من الطرفين» أي من سورية وتركيا. وهذا التصريح صدر عن ألكسندر لافرينتييف، المبعوث الروسي الخاص، في مقابلة مع وكالة «نوفوستي».
لافرنتييف أشار إلى أن الاتصالات مستمرة، ولكن من السابق لأوانه الحديث عن احتمال إجراء مقاوضات «رباعية» في المستقبل القريب، وقال: أعتقد أن كل شيء سيعتمد على الحقائق الناشئة في تطور الوضع بشكل مباشر على الأرض (حول إدلب وفي شرق الفرات وعلى الحدود السورية- اللبنانية مع إسرائيل).
الأهم الذي كشفه لافرنتييف هو عدم إحراز تقدم في مسألة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وقال: الأتراك يُعلنون بشكل غير رسمي أنهم مستعدون لذلك، ولا ينوون الإبقاء على أي وحدة عسكرية لهم، وفي ظل الظروف المناسبة، سيكونون على استعداد للانسحاب.. ولكن ما هي الظروف المناسبة لهذا الأمر؟
هذا السؤال حول (الظروف المناسبة لتركيا) هو جوهر المسألة، ويصب فيما ذكرناه سابقاً لناحية الاستغلال التركي من جهة ولناحية أن تركيا مرتاحة وترى في تطورات المنطقة فرصة لتكريس «حقائق جديدة» على الأرض السورية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار