ملف «تشرين».. أسبوع رابع.. العالم منشغل عن المذبحة الصهيونية في غزة بسؤال الحرب الإقليمية و«من سيخاطر بالاقتراب من أميركا»؟
تشرين – مها سلطان:
دخلت الحرب الصهيونية الوحشية على غزة أسبوعها الرابع، بعدّاد دم فلسطيني لا يتوقف، ولن يتوقف كما يبدو ما دام العالم يجلس متفرجاً منتظراً.. وبخصوص مسألة الانتظار فنحن لا نعرف بالضبط ماذا ينتظر؟ وهل أن هذا الانتظار وعدم التحرك سببه فقط المخاوف من اندلاع «حرب كبرى»؟
لا يريدون الاقتراب من الكيان الصهيوني لأنهم بذلك يقتربون من الولايات المتحدة التي تدير بنفسها المذبحة بحق أهل غزة، والاقتراب من الولايات المتحدة يعني المخاطرة بإشعال حرب إقليمية، بمعنى المواجهة العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة، وبالتالي: من يريد اليوم هذه المواجهة، أو بالأحرى من سيخاطر بها ويتحمل وزر إشعال حرب إقليمية ستتحول عاجلاً جداً إلى حرب عالمية؟
خلف هذه المسألة تحديداً- أي انعدام جرأة الاقتراب – تتمترس الولايات المتحدة، وللتوضيح نحن هنا نتحدث عن العالم خارج حدود المنطقة، والمنطقة التي نعنيها هنا هي الجوار اللصيق لفلسطين المحتلة وليس المنطقة بمعناها الأوسع.
لا أحد يريد الاقتراب من الكيان المحتل لأن ذلك يعني الاقتراب من أميركا التي تدير بنفسها المذبحة
بحق أهل غزة.. الاقتراب منها يعني مواجهة عسكرية مباشرة ستتحول عاجلاً حرباً عالمية
لكل طرف دولي حساباته، وفي مسألة غزة يكاد الجميع يتساوون بخصوص عدم الاقتراب، وفي الغد سينسحب هذا التساوي بصورة أعم، مع اكتمال التحشيد العسكري الثقيل في المنطقة براً وبحراً وجواً.. عندها ستصبح مهمة تلك الأطراف الدخول أكثر في مسار الانضباط والضبط حتى لا يخرج أي طرف في المنطقة ويشعل فتيل الحرب الإقليمية، وهذا قد يحدث في أي لحظة، لكن مسألة منع ذلك باتت مهمة جميع الأطراف الدولية، كما يبدو، وغني عن القول إنهم بذلك يقدمون الخدمة الأكبر للولايات المتحدة ويُغنونها عن عناء القيام بها وهي التي فشلت كل ضغوطها، منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الجاري، في احتواء استمرار هذه العملية، أو الحد من قوة المقاومة الفلسطينية وقدرتها على إبقاء الكيان الإسرائيلي في حالة كابوس دائم، وصولاً إلى العجز عن تنفيذ الغزو البري بمداه الساحق الكاسر، كما يقول الكيان ومعه الولايات المتحدة.
في اليومين الماضيين اختبر الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، بصورة جليّة جداً، العجز عن الدخول البري الموسع إلى غزة، كان لهما محاولتان وبآلاف الجنود، يُقال إن 5000 جندي أميركي شارك في المحاولة الثانية ليل الجمعة الماضية، لكن المقاومة أجبرتهم على التراجع بخسائر كبيرة جداً، ولولا أن المقاومة أعلنت عن هاتين المحاولتين وعن الخسائر الفادحة، لما كان الكيان اضطر للإعلان عنهما، زاعماً أن المرحلة الثانية من التعامل مع قطاع غزة بدأت، وأن ما حصل هو من باب التمهيد الأولي للغزو البري الموسع، علماً أنه – وعلى ذمة الإعلام الإسرائيلي- فإن خطة الغزو البري تم رفضها من قبل متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، لعدم جدواها، والأهم الأخطر بالنسبة للكيان عدم الثقة بقدرة جيشه على التنفيذ، وهو ما قالته الولايات المتحدة نفسها على لسان رئيسها جو بايدن.
بعد المحاولة الثانية والتي كانت فاشلة بصورة مدمرة لمعنويات ومخططات للجانب الأميركي ومعه الكيان المحتل، كان الرد بمذبحة جديدة ضد أهل غزة، هي الأكبر منذ بدء القصف الوحشي على غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى، صور الضحايا الفلسطينيين جابت العالم، ولا زالت، وهي الأكثر توثيقاً لحجم الإجرام الأميركي الإسرائيلي، والأكثر إدانة لصمت العالم.
يتم تجاهل كل هذا الإجرام، مقابل الانشغال بمسألة هل ستقع حرب إقليمية أم لا، وكم سيكون مداها، ومن هم أطرافها، ومن أي جبهة ستبدأ، وكيف يمكن ضبط الجبهات المتأهبة؟.. علماً أنه يكفي إيقاف هذا الإجرام لمنع هذه الحرب، لكن أميركا لا تريد، وهذا أمر منطقي في ظل أنها وضعها ومكانتها في المنطقة وصلت في العقد الماضي إلى درجة الاحتضار لمصلحة الخصوم، وكان لا بد من إشعال جبهة للعودة بالأوضاع إلى سابق عهدها، ولتبقى المنطقة ساحة نفوذ أميركي خالص، ولطالما كانت الحروب والأزمات أفضل استثمار أميركي لإخضاع العالم.. ويبدو أن هذا الاستثمار ما زال متوفراً، وما زال متاحاً لها زج الجميع حول العالم فيما تفتعله من حروب وأزمات.. وفي مسألة الحرب على غزة فإن بنك الأهداف الأميركي ممتلئ، إقليمياً ودولياً.
هذا لا يعني أن أميركا مطمئنة بالكامل وإن كانت مقتنعة عموماً بمسألة أن أحداً لن يخاطر بدخول مواجهة مباشرة معها، طبعاً هذا ما يخص الدول، ولكن ماذا عن الجبهات الأخرى – غير الرسمية – التي تستطيع الدخول بمواجهة مباشرة من دون «توريط» إذا جاز لنا التعبير، دول بصورة رسمية بهذه المواجهة؟
يتم تجاهل كل الإجرام الإسرائيلي الأميركي ضد أهل غزة مقابل الانشغال بمسألة
هل ستقع حرب إقليمية أم لا.. علماً أنه يكفي إيقاف هذا الإجرام لمنع هذه الحرب
لا شك أن هذا أكثر ما تخشاه أميركا خصوصاً مع القوة المتعاظمة لهذا الجبهات، ونقصد هنا جبهات المقاومة في المنطقة، بعض هذه الجبهات وباعتراف الأميركي نفسه، تتجاوز قوتها العسكرية/الصاروخية، قوة عدة دول، وأميركا نفسها سبق واختبرت، وما زالت، تختبر قوة الهجمات التي تنفذها جبهات المقاومة ضد التواجد الأميركي في المنطقة، وهنا يبرز سؤال: هل أن التحشيد الأميركي الثقيل في المنطقة براً وبحراً سيحدُّ من قدرة هذه الجبهات أو يمنعها عن توسيع جبهة غزة؟
الجواب: لا.
لكن أميركا تستطيع تهديد الدول التي تدعم جبهات المقاومة، على سبيل المثال هي تهدد لبنان بأوخم العواقب إذا ما قررت المقاومة اللبنانية – حزب الله، توسيع الجبهة، ولن يمنعها أحد أو أي أمر في حال قررت ضرب لبنان بذريعة حزب الله.
مع ذلك، الأمور ليست بهذه السهولة بالنسبة للأميركي، لأن قوة الدول من قوة المقاومة، وإذا ما كان هناك قرار بتوسيع الجبهة فإن سيكون قرار الدولة والمقاومة، وعندها لا شيء سيمنع الحرب الإقليمية، وستكون الولايات المتحدة أمام حرب مصير، وستخضع لجميع قواعد الحرب وتداعياتها، مثلها مثل الآخرين، وكما أن هذه الحرب ستكون فرصتها الأخيرة لتثبيت وجودها ونفوذها العالمي، فإنها ستكون أيضاً فرصة الخصوم الأخيرة للقضاء على الهيمنة الأميركية وتجبرها.
خلال الحرب العالمية الثانية كانت جميع الأطراف تؤكد أن لا مصلحة لأي طرف بقيام الحرب، لكنها كانت حرباً حتمية، كل المسارات كانت تقود إليها، وهذا ما يُقال عن المنطقة راهناً. وكما أن أحداً لا يجزم بالوصول إلى نقطة اللاعودة، أي إلى الحرب الموسعة، فإن الجميع بالمقابل يجزمون بأن كل الاحتمالات واردة.
على الأكيد لن يستمر القصف على غزة إلى ما لا نهاية، وعلى الأكيد ستكون هناك عملية برية، لكن كل الاحتمالات تبدو مُعلقة على نتائج هذه العملية، ولا بد من الانتظار، ربما ليس لوقت طويل.. قد تكون النتائج بأسرع مما نتوقع.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. «تهجير سكان غزة إلى سيناء».. وثيقة تكشف تأسيس حركة تسمى “مقر الاستيطان- قطاع غزة”