ملف «تشرين».. المنطقة ما بعد غزة.. سؤال بحجم عالمي والأجوبة مفتوحة على كل الاحتمالات.. المفاجآت الثقيلة واردة وباتجاهين: إما حرب كبرى أو تسويات كبرى

تشرين – مها سلطان:
إذا كان سؤال «ما بعد غزة» مرتبط، بنسبة 99%، بالغزو البري الصهيوني، وتالياً بمساره ونتائجه النهائية، فإن هذا السؤال هو سؤال بحجم منطقة كاملة وليس بحجم غزة فقط، وعندما يكون بحجم منطقة مثل منطقتنا فهذا يعني أنه بحجم عالمي، والجميع هنا يدرك حجم معادلات القوة التي ستتغير جذرياً على خريطة القوى الدولية الكبرى في حال خرجت الولايات المتحدة الأميركية خروج المهزوم من المنطقة أو بقيت فيها بقاء الضعيف ضمن خريطة دولية جديدة للمنطقة، بمعنى القوى الدولية المتواجدة في المنطقة والتي ستكون من ضمنها الولايات المتحدة ولكن ليس في موقع القائد.. علماً أن الجواب على سؤال «ما بعد غزة» لا يبدو أنه سيكون مُتاحاً على المدى المنظور.
أما نسبة الـ 1% المتبقية فهي تتعلق بلحظة «انفلات» تضع الجميع في إطار جبهة أوسع، والمقصود هنا الحرب الإقليمية، وهذه اللحظة يتحضر لها الجميع وكأنها واقعة لا محالة، رغم أنهم يؤكدون يومياً عملهم الدائم على منع الوصول إليها، ولكن من دون أن يكونوا جازمين بأنها لن تقع، خصوصاً وأن الصراع مع الكيان الإسرائيلي وصل إلى «نقطة صفرية» ولا بد من الحسم.
بين هاتين النسبتين، هناك من يتحدث عن أن الأمور قد تتجه نحو التهدئة مجدداً، فهناك مفاوضات تجري، وهناك «تريث» أميركي من نوع ما، ولهدف ما، يضغط على الكيان الإسرائيلي لتأخير الغزو البري، والأهم كما يقولون بأن لا أحد لديه مصلحة باتساع جبهة غزة إقليمياً باتجاه حرب كبرى غير مضمونة النتائج لأي طرف..«ضمن التهدئة تلك هناك من يتحدث عن تسويات كبرى تغير وجه المنطقة».

اليوم لم يعد سؤال «ما بعد غزة» مرتبطاً بالعملية البرية بقدر ما هو مرتبط بمسألة هل

ستبدأ أم لا؟.. والمخاوف تتركز على لحظة «انفلات» تضع الجميع في مهب الحرب الإقليمية

مع الفشل الكارثي لـ«المناورة» البرية الصهيونية الثانية باتجاه غزة يوم الجمعة الماضي، وتكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة، دفعته إلى هستيريا من القصف الهمجي الوحشي على غزة مهد له بقطع كافة الاتصالات والانترنت عن قطاع غزة بما في ذلك عن المستشفيات وفرق الإغاثة «وهناك من يقول إن هذه المناورة- والتي قبلها يوم الأربعاء الماضي – كانت بمشاركة أميركية».. مع هذا الفشل الكارثي لا يبدو أن الغزو البري «الساحق» الذي يُحضر له الكيان الصهيوني سيبدأ قريباً، لا بد وأنه أخذ فكرة كافية عما ينتظره في حال دخل غزة، إذا ما اعتبرنا أن هذا الفشل الكارثي كان مع دخوله أمتاراً قليلة فقط، وعلى الأطراف.
وإذا ما صحت التقارير التي تتحدث عن أن الولايات المتحدة طلبت من “الكيان” حل أزمة الرهائن بوسائل أخرى غير الدخول البري لقناعتها بأن الكيان وجيشه غير جاهزين، فهذا يصب أيضاً في مسألة أن الغزو البري لن يبدأ قريباً.. وإذا كانت الولايات المتحدة طلبت من الكيان التريث لحين اكتمال التحشيد الأميركي وبما يعزز الحماية للكيان وجيشه، فهذا يعني أيضاً أن الغزو البري لن يبدأ قريباً، وأن الولايات المتحدة كما الكيان تخشى هذا الغزو وتبعاته، هذا طبعاً إذا تجاهلنا التصريحات الأميركية التي تقول إن ذلك التحشيد هدفه الأساسي هو حماية التواجد الأميركي في المنطقة و«ردع الخصوم» وهي تصريحات أقرب إلى العقل باعتبار الكيان الصهيوني يستطيع توفير أقصى غطاء ناري من القصف الجوي عندما يدخل براً إلى غزة دون حاجة لذلك التحشيد ، ولكن الكارثة بالنسبة للكيان أن كل ذلك لن ينفعه عندما يدخل «أرض جهنم التي أسفل الأرض».
إذاً.. متى سيبدأ الغزو البري وبشكل نقترب معه أكثر من الجواب على سؤال: ما بعد غزة؟
وحتى يبدأ ذلك الغزو، هل سيستمر القصف على غزة، وبأي شكل سيوسع الكيان مناوراته البرية، وكيف سيكون شكل المشاركة الأميركية في ظل استقدام من اعتبرتهم واشنطن الأكثر خبرة لديها في حرب المدن (من العراق وسورية)؟
متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو قال إن موعد الغزو متفق عليه ولكن لن يعلنه، ليتم لاحقاً التأكيد على أنه رفض التوقيع على الخطة النهائية للغزو، فيما جميع أركان حكومته يؤكدون أن رفضه يعود إلى التحذير الأميركي من هشاشة الخطة وعدم اليقين حيال نجاح تنفيذها، وهذا ما أكده مسؤولون أميركيون أيضاً..

لا تريد أميركا البقاء في المنطقة «بقاء الضعيف» بل تريد العودة إلى

موقع القائد وهذا يدفع بالمنطقة إلى أخطر السيناريوات وأكثرها دموية

وما دامت واشنطن لم تعطِ بعد ضوء أخضر فإن البدء مؤجل. ويبقى من غير المعروف تصور واشنطن للخطة التي من شأنها تحقيق النجاح، إذ يبدو أن واشنطن نفسها لا تمتلك هذه الخطة، ولا تعرف من أين يمكن البدء.. مع ذلك لا بأس من استغلال ما يوفره سياق الأحداث من فرصة لمزيد من التحشيد وتعزيز الحضور العسكري الأميركي في المنطقة بمواجهة الخصوم الدوليين والإقليميين الذين يوسعون تواجدهم.
أمس السبت، وخلال لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش، حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من أنه لا يستبعد فتح جبهات جديدة في المنطقة ضد الكيان الإسرائيلي في حال استمرار الحرب على غزة.
إذا ما أخذنا هذا التصريح، وهو الأحدث، مُضافاً إلى الكثير من التصريحات المشابهة، فهذا يعني أن توسع جبهة غزة لا يتوقف فقط على الغزو البري، ودائماً العين على “جبهة الشمال”، وهذا ما تدركه واشنطن، ولكن الأسوأ بالنسبة لها أنها فشلت حتى الآن في كشف نوايا الجبهات الأخرى، رغم أنها تعمل ومنذ ثلاثة أسابيع تقريباً بعد عملية طوفان الأقصى، على محاولة كشف أوراق الجبهة الشمالية بشكل خاص، من دون جدوى.. وهذا نجاح يُحسب للمقاومة اللبنانية التي تجعل العدو الصهيوني ومعه الأميركي في حالة عمى، أو لنقل تجعله مضللاً غارقاً في الغموض، فهي حتى الآن لم تنخدع بمحاولات الاستفزاز الإسرائيلية، ولا زالت تحتفظ بأوراقها كاملة، ولن تكشف عنها إلا في التوقيت الذي تحدده.

الأسوأ بالنسبة لأميركا والكيان الصهيوني عجزهما عن كشف نوايا الجبهات الأخرى..

هذه الجبهات استطاعت تكبيلهما في حالة من الغموض الشديد والمراوحة في دائرة مغلقة

بالمقابل، وكلما تأخر موعد الغزو البري فإن حالة الفوضى واليأس ستتوسع داخل الكيان وجيشه، هذا ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم، وما عبرت عنه صحيفة « تايمز أوف إسرائيل» التي حذرت من أنه «إذا كان الهدف من تأخير الهجوم البري خداع الطرف الآخر فلا بأس، أما أن يكون خلاف ذلك فوضع إسرائيل صعب!». وتضيف: بعد ثلاثة أسابيع من القصف، لا تزال غزة حيّة، وقادرة على إرسال فرق من قوات الكوماندوس البحرية للقيام بمهام انتحارية وإطلاق الصواريخ عبر الجنوب والوسط والشمال، ولا تزال قادرة على تهديدنا، فيما حكومتنا عاجزة عن تحقيق أي انجازات عسكرية كبيرة.
وتتابع: قد يكون من الحكمة التأكد من جاهزية القوات وإضعاف دفاعات غزة، لكن الفوضى اللوجستية لا تغتفر على الإطلاق، وكلما تباطأت العملية البرية تنخفض جاهزية القوات، ففي البداية كانوا مصممين بشدة على الهجوم، بينما نراهم اليوم يتجهون لزيارة عائلاتهم وتنظيم مباريات الكرة الطائرة وإرسال رسائل نصية لأصدقائهم، مفادها: نحن لا نفعل شيئاً.
حتى الأمس القريب كان السؤال عما بعد غزة، يفترض أن الكيان الصهيوني سيعود منتصراً من العملية البرية، وطيلة الفترة الماضية انشغلت دوائر القرار والإعلام في الغرب بالإجابة على هذا السؤال، ووضع السيناريوهات لمساعدة الكيان في الإجابة عليه، بمعنى ماذا سيفعل بقطاع غزة، وتراوحت السيناريوهات من التهجير«والوطن البديل» إلى الوصاية الدولية، مروراً بالضفة الغربية التي لم تنجُ بدورها من هذه السيناريوهات.

رغم الطغيان العالمي الذي تمثله جبهة غزة إلا أن أحداً لا يستطيع الجزم

بما ستكون عليه التطورات والمآلات.. لا في اليوم التالي ولا حتى على بعد ساعات

اليوم، لم يعد هذا السؤال قائماً بصورته المرتبطة بالعملية البرية، بل تحول إلى ما إذا كانت هذه العملية ستتحقق أم لا، هذا إذا افترضنا أن كل ما يصدر عن الولايات المتحدة حيال مسألة التريث والتأجيل والخشية من التداعيات والنتائج وعدم القناعة بجاهزية وقدرة الجيش الإسرائيلي، هو صحيح، ولم يكن هناك نيات مبيتة حيال سيناريو مختلف تأخذ فيه الولايات المتحدة نفسها المنطقة إلى حرب كبرى، وعلى قاعدة «النقطة الصفرية» آنفة الذكر، وباعتباره تتساوى فيها مع الكيان الإسرائيلي «لنلاحظ مثلاً أن الولايات المتحدة باتت تزج اسم إيران بصورة أكبر، خلافاً لما كان عليه الوضع في أعقاب طوفان الأقصى، حيث سعت لعدم ربط إيران بهذه العملية».
رغم كل هذا الطغيان العالمي الذي تمثله جبهة غزة اليوم، ورغم الاجماع على أن ما بعد 7 تشرين الأول 2023 لن يكون كما قبله، إلا أن الأبرز هنا هو حالة اللاوضوح/اللايقين حيال تطورات جبهة غزة، كبار المسؤوليين الدوليين، من الصف الأول، ومعهم جهابذة المحللين والمراقبين، لا يستطيعون الجزم بما ستكون عليه التطورات حتى لليوم التالي.. وحتى على بعد ساعات، كل الاحتمالات واردة بما فيها مفاجأة الوصول إلى تسويات من دون حرب كبرى، هذا السيناريو بدأ يتقدم مؤخراً لتتساوى الحرب مع اللاحرب، بمعنى أن المنطقة مقبلة إما على حرب كبرى أو تسويات كبرى؟!
والثابت هنا أنها كلها ستكون من العيار الثقيل.. جداً

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. غزة وما بعد غزة.. خبراء يستقرؤون المشهد بأبعاده الدولية والعسكرية ويتوافقون على حالة «عدم يقين» حيال المرحلة المقبلة.. والتقديرات تتأرجح بالتساوي بين الحرب واللا حرب

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار