ما المطلوب من شعب مُحاصر؟
تشرين- ادريس هاني:
عوّد الاحتلال – غير الآبه بأي شرعة دولية – الطفل الفلسطيني على مشاهد القتل والتدمير، حتى اتفاقية حقوق الطّفل الأممية لا تجد تجاوباً مع هذا الذُّهان الذي اسمه الرغبة الجامحة في محو ذاكرة شعب، هذا الذي يسمونه وطناً، هو تجربة مأساوية، وكم من مرة قُلنا إنّ العنف المفرط وفكرة التقادم والأمر الواقع وتكرار قصة الهنود الحمر لن تجد لها مُعادلاً في الشرق الأوسط، لن تستغل رسالة المسيح هذه المرة ضد الشرق الأوسط، فالسيد المسيح من بيت لحم، لا يوجد هنود حمر في منطقة قريبة من قلب العالم، لا يمكن الانفراد بشعوب المنطقة، لأن المعركة تدور في جغرافيا صغيرة وديموغرافيا كبيرة ومخزون ثقافي شديد التعقيد.
عندما اندلعت الانتفاضة عام 1987، كان المقاومون أطفالاً، هؤلاء رأوا بأعينهم شريط المأساة التي حلّت بشعب الجبّارين، بفضل عنفه المفرط صنع الاحتلال رجالاً يأنسون بالموت، متسلحين بذاكرة قوية، وحلم بالتحرر، الخرائط التي يسعى الاحتلال لفرضها، باءت وستبوء بالفشل، أما المجتمع الدولي فقد أظهر أنّه بيئة غير مضمونة العواقب، أنصت للمسؤول الفرنسي الأوّل وهو يتباكى على انقطاع الكهرباء في أوكرانيا، بينما مسؤولة الخارجية تتحدث عن احتجاز المقاومة لشعب غزّة، يَصْعُب على أولئك العنصريين أن يتألموا للطفل الفلسطيني، إنهم لا يرون شيئاً فظيعاً في كل ما يفعله الاحتلال، هذا يفوق مستوى النّفاق، لا يوجد في المعجم اللغوي ما يعبّر عن هذا الموقف.
لماذا يخشى الغرب من تفكك كيان «عبيد خزاريا».. هل يخشى من الترانسفير المعكوس.. ألم يتحدّثوا يوماً عن عبقرية القوم واعتبروا القيم الغربية قيماً يهودية – مسيحية، فلمَ الخوف؟
لا شكّ في أنّ الغرب، ولأسباب دينية عميقة، يحتفظ بالموقف النازي نفسه من اليهود، لكن بوسائل ناعمة، حيث رسم لهم مصيراً خارج الغرب، بينما كل هذا العدد يمكن احتضانه في صحراء نيفادا.
لنتصور المقاومة قامت بالأفعال الشنيعة نفسها التي يقوم بها الاحتلال والمستوطنون: قتل الأطفال، تشويه الجثث، اغتصاب النساء.. الخ، ماذا كان سيقع؟ إنّ العالم ينتظر لحظة الاعتراف من الشعب الفلسطيني، الإذعان لمنطق القوة، وهذه هي عقيدة المحافظين الجدد المستوحاة من جدلية السيد والعبد الهيغلية – الكوجيفية. ففي ذهن الاحتلال صورة عن قصة الهنود الحمر، وكيف أنهم كانوا فرساناً وقاوموا ملء جهدهم، لكنهم أذعنوا في نهاية المطاف، الاحتلال هو الآخر في انتظار هذه اللّحظة، وهو يدفع تكاليف ذلك الانتظار بثمن باهض، أمام كل هذا القهر، وكل هذا الصمت، وسياسة الكيل بمكيالين، ماذا في وسع شعب أن يفعل؟ إنّ شعباً يرزح تحت نير الاحتلال، لن تكون له حرفة مشروعة أكثر من أن يُقاوم.
كلما اقتربت الأمور من الذروة ارتفع إيقاع العنف، الاحتلال يدافع بشراسة عن مُغالطته الجغرافية، ليس لديه خيار، لقد ضُرب في مقتل الهيبة، والغرب الذي اعتاد النّفاق، هو شريك في كلّ ما يقوم به الاحتلال من جرائم ضدّ الإنسانية. لقد منحوه فرصة الثّأر، لكن ماذا في وسع الثّأر أن يفعل في بيئة تعيش ذروة الاحتقان، في شعب سُرقت أرضه بوعد مشؤوم.