لسان أردوغان الذي لا ينطق إلا كفراً.. «هلوسات» لاتغير من حقيقة أن كل الجغرافيا والديموغرافيا لن تكون إلا سورية.. ولا «تطبيع» قبل الانسحاب
تشرين- مها سلطان:
لسان أردوغان الذي انعقد أمام بوتين في سوتشي أمس الأول، لم تُحلّ عقدته إلا مع وصوله إلى بلاده أمس، وكان لسورية المساحة الأكبر، وهو الذي لم ينطق بكلمة واحدة حولها خلال المؤتمر الصحفي المشترك ما بعد لقاء سوتشي الذي وُصف على نطاق واسع، حتى من الصحافة التركية بأنه لم يكن على مستوى التوقعات.. فيما المضامين أكدت أنه لم يكن سهلاً وأن أردوغان لم يستطع «استعادة الثقة» التي فقدها منذ قمة حلف شمال الأطلسي «ناتو» في العاصمة الليتوانية فيلنيوس في 11 تموز الماضي.. حيث ظهر أردوغان كجزء أساسي من المعسكر الغربي المعادي لروسيا.
صحيح أن أردوغان وصف اللقاء مع بوتين بالمثمر، وصحيح أنه خلال المؤتمر الصحفي المشترك، سعى كل من بوتين وأردوغان لإظهار صورة إيجابية عن اللقاء بشكل خاص، وعن العلاقات الثنائية بشكل عام.. ولكن تكفي جولة سريعة على الصحافة التركية والغربية، لنستشف حجم «الخيبة» التي عاد بها أردوغان، خصوصاً فيما يخص اتفاق الحبوب، وهو الملف الذي لطالما توهم أردوغان بأنه يستطيع من خلاله ليّ ذراع روسيا ليجد أنها لم تتراجع قيد أنملة عن مطالبها للعودة إلى الاتفاق، وأمامها خيارات كثيرة وأبواب عديدة مفتوحة وليست مجبرة على التنازل لأحد.. ولا ننسى هنا أن أردوغان وطوال شهر مضى كان هو من يستجدي لقاء بوتين وفي كل مرة كان يتم تأجيل الاستجابة لاستجدائه، وفيما كان يمني النفس بحضور بوتين إلى أنقرة، هرول أردوغان إلى سوتشي مع أول إشارة روسية.
أما الأمر الخطير الذي ركزت عليه الصحافة التركية فهو مسألة أن حساسية اللقاء لم تكن في كمية الملفات التي تناولها ولا بطريقة وكيفية البحث، بل إن المسألة تتركز على مستقبل العلاقات التركية – الروسية التي لا يبدو أنها ستعود إلى سابق عهدها قريباً.
أياً يكن فإن ما يهمنا هنا هو سورية وإن كانت بقية الملفات مهمة أيضاً لناحية المؤشرات التي تعطيها وتنعكس ببعض جوانبها على سورية والأوضاع فيها، ميدانياً وسياسياً.. والمقصود هنا بشكل أساسي الوساطة الروسية (الإيرانية).
وكما هي العادة عندما يتعلق الأمر بسورية فإن أردوغان لا ينطق إلا باطلاً.. من دون أن يستطيع التغطية على أطماعه التوسعية العدوانية في سورية.
* * ***
أغرب ما أطلقه أردوغان حتى الآن هو أن يدعو الدولة السورية إلى «التحرك وفق الحقائق على الأرض»، وإذا لم تفعل فهذا يعني أنها «تلحق الضرر بمساري التطبيع والحل» وأنها «تفتقد المواقف الإيجابية».
جاء ذلك خلال كلمة متلفزة أمس عقب اجتماع للحكومة التركية حيث قال: «إن بلاده تسعى جاهدة للتوصل إلى حل يعتمد على الحقائق على الأرض لسلامة الأراضي السورية»، داعياً «الجهات الفاعلة الإقليمية المؤثرة إلى أن تحذو حذوها».
أولاً.. عن أي «حقائق على الأرض» يتحدث أردوغان؟
– على الأرض السورية لا توجد إلا حقيقة واحدة فقط : هذه الأرض سورية وأهلها سوريون، وكل ما يختلقه المحتل التركي (والأميركي) من أكاذيب على الأرض سيزول، وسيسقط تحت أقدام جيشنا الباسل.
– على الأرض السورية، ليست هناك حقائق جغرافية أو ديموغرافية جديدة، كما يزعم التركي زوراً وزيفاً، ليتم التفاوض وفقها. كل الجغرافيا والديموغرافيا لن تكون إلا سوريّة.
– على الأرض السورية لن يكون التركي إلا مُحتلاً مُعتدياً حتى ينسحب من كامل التراب السوري، وهو سيفعل، سلماً أو قتالاً.. الدولة السورية جاهزة لكل الخيارات.
– على الأرض السورية لا تفاوض مع مُحتل ولا مهادنة، وإذا كانت الدولة السورية استجابت للوساطة الروسية بعد طول استجداء من التركي فإن هذه الاستجابة وأي تفاوض على أساسها، ينطلق أولاً، ودائماً، من مسألة الانسحاب التركي من الأراضي السورية وفق ضمانات وجدول زمني محدد .
– على الأرض السورية، الكلمة ليست للمحتل التركي (أو الأميركي)، الكلمة للسوريين، والدولة السورية، قالها الرئيس بوتين لأردوغان في سوتشي: « روسيا تنطلق من حقيقة أن مستقبل سورية يجب أن يحدده السوريون أنفسهم دون أي ضغوط أو إملاءات خارجية».
ومن نافل القول إن بوتين لن يتمسك بمثل هذه التصريحات إلا إذا كانت الدولة السورية متمسكة بها، بل رافضة لأي تنازل عنها، وهو ما يؤكده السيد الرئيس بشار الأسد في كل مرة، الانسحاب التركي أولاً، والكلمة للدولة وللشعب السوري.
ثانياً.. عن أي مواقف إيجابية يتحدث أردوغان؟
– المواقف الإيجابية بالنسبة لأردوغان هي أن تتخلى الدولة السورية عن أرضها وأهلها وتقبل التفاوض مع محتل يريد أن يتفاوض ليُشرعن احتلاله..!
– المواقف الإيجابية هي أن تقبل الدولة السورية بأن ينتهك التركي السيادة السورية ويتحكم بالقرار السوري ويفرض ما يريده ميدانياً وسياسياً.. !
المواقف الإيجابية هي أن تقبل الدولة السورية التقسيم والتقاسم ما بين المحتلين التركي والأميركي، وتسلم أمرها لهما وكأنهما قدر لا مفر منه.. !
هذا ما لن يناله المحتل التركي أبداً، ولا الأميركي.
ثالثاً.. ماذا يعني أردوغان بقوله إن سلامة الأراضي السورية تعتمد على حل يستند إلى الحقائق على الأرض؟
– كل ما يفعله المحتل التركي أنه يهدد سلامة الأراضي السورية وأمن أهلها، فكيف الحال وهو يحتل جزءاً منها؟
– كل ما يفعله المحتل التركي أنه يستميت لشرعنة احتلاله الذي لا يتوقف عند حدود الأراضي التي يحتلها حالياً بل يتعداها إلى كل سورية.
– كل ما يفعله المحتل التركي أنه يريد إقناع الآخرين أن هناك حقائق على الأرض تدعم وجوده واحتلاله وأنه حمامة سلام على الأرض السورية وليس عدواً غازياً، أو هو يريد توفير الذريعة والحجة له ولغيره من المتآمرين الطامعين بسورية، والجميع يعلم أنه كاذب، لإدامة الاحتلال وتوسيعه وصولاً إلى تقسيم البلاد والعباد على أن يكون له الحصة الأكبر.
– كل ما يفعله المحتل التركي مردود عليه، والحقائق التي يتحدث عنها، هي نفسها تتحدث وتثبت وتحدد من هو المعتدي ومن هو صاحب الأرض.
رابعاً.. عن أي «تطبيع» يتحدث أردوغان؟
في محادثات سوتشي بين بوتين وأردوغان، كان هناك جانب مهم، غائب حاضر، وهو التطبيع. وإذا ما كانت الرسالة التي وصلت من سوتشي وإذا ما كنا فهمناها بطريقة صحيحة، فإن مسألة التطبيع لم يتم التطرق إليها بالصورة التي أرادها أردوغان، إذا ما أخذنا بالاعتبار وفقاً لما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك، لم يتم التطرق إلى محطة جديدة على مسار التطبيع المندرج تحديداً ضمن مسار الوساطة الروسية- الإيرانية.
صحيح أن هناك جولة جديدة من الجهود الإيرانية، إلا أن مصير الاجتماعات الرباعية لا يزال مجهولاً، وإذا ما استمرت العلاقة الروسية – التركية «على غير ما يرام» فإن مصير هذه الاجتماعات سيبقى مجهولاً، هذا إذا لم ينتهِ المسار برمته.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار المعطيات الميدانية الجديدة، والتصعيد التركي، واعتداءات القوات التركية والفصائل الإرهابية التي تعمل تحت إمرتها، على مواقع للجيش السوري وعلى قرى وبلدات سورية.. إذا ما أخذنا بالاعتبار كل ذلك فإنه لن يكون هناك أي حديث عن «تطبيع»..
يُضاف إلى ذلك تصريحات المتحدث باسم الرئاسية الروسية ديمتري بيسكوف يوم أمس حول أن «الغرض من المحادثات بين بوتين وأردوغان لم يكن التوصل إلى اتفاقيات محددة وإنما ضبط المواقف حول جملة القضايا العالقة في العلاقات الثنائية».
هذا يعني أن الوساطة الروسية لن تغادر «حالة التوقف» التي استقرت فيها منذ قمة فيلنيوس، ولن تكون هناك اجتماعات رباعية جديدة.
أما لماذا أطلق أردوغان تلك التصريحات فهذا أمر مفهوم، ظاهره تصعيدي، وباطنه الخيبة التي عاد بها من سوتشي، ومن المتوقع أن يستمر في هذه التصريحات مادام الوسيط الروسي مُدبراً عن مسار الفعل فيما يخص عملية التطبيع.. وبانتظار ما ستفرزه الجهود الإيرانية الجديدة.. وما سيخرج من تحرك عربي- أممي جديد متمثل في اجتماع مجلس الجامعة العربية المقبل، وفي زيارة المبعوث الأممي غير بيدرسون إلى دمشق والمرتقبة في الأيام المقبلة لمناقشة إعادة إحياء مسار جنيف بعد نقل لقاءاته إلى العاصمة العمانية مسقط .