العمران.. وثيقة تاريخية واجتماعية

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:

العمران ظاهرة متعددة الغايات، وهي تستجيب لحاجات اجتماعية ولمتطلبات العلاقات العائلية والطبقية والتراثية الاجتماعية من جهة، ولتبدلات التقنيات المستخدمة في تصنيع المواد الخام من جهة أخرى، وهي تعبّر أيضاً عن توقع الإنسان لحياة أفضل وسعيه نحو التنمية البشرية والمادية المستدامة، وشغفه بإبداع ظاهرات اجتماعية تخلّد ذكراه، وبهذه الطريقة أبدع الإنسان المفكّر أنواعاً متجددة من العمارة كوثائق دالة عليه،  وذلك في توسع دائم نحو معرفة أكثر توافقاً مع الوقت الاقتصادي والاجتماعي الذي عاش فيه.
إن حماية التراث علم قائم بذاته، إضافة إلى كونه واجباً إنسانياً ملقى على عاتق البشرية بأسرها، وليس فقط على الدول التي تحتضن أمكنة تراثية، وكثيراً ما تكون عاجزة عن ترميمها، أو صيانتها أو الحفاظ على معالمها، والهدف الإنساني منه هو التوثيق العمراني، أي الحفاظ على العمارة كوثيقة تاريخية تتحول إلى كتاب مفتوح لجميع الناس، ولا تتضمن هذه العملية أي أهداف اقتصادية على الإطلاق، ناهيك بأن الحفاظ على المعالم التراثية هي المدخل الحقيقي للتأكيد على هوية المجتمع وخصوصيته، أما الترويج لبعض المعالم التراثية لأسباب دينية أو دعائية أو عائلية فشيء آخر، ففي هذه الحالة لا يُعاد ترميم البناء التراثي أو تأهيله للحفاظ عليه كوثيقة عمرانية، وإنما لصيانة الشكل بهدف إشباع حاجات شخصية أو عائلية أو دينية أو سياحية أو تجارية أو غيرها، وهناك فارق كبير بين الحفاظ على التراث كوثيقة عمرانية وبين صيانتها وإعادة تأهيلها والتلاعب أحياناً ببعض مكوناتها الأساسية كي تؤدي وظائف جديدة معاصرة تحافظ فقط على الشكل الخارجي للعمران كوثيقة تاريخية، وفي حين يجب التقيد الشديد بالتقنية التقليدية أو بأسلوب يتوافق كلياً مع التقنية الأصلية عندما يكون الهدف هو الحفاظ على التراث العمراني كوثيقة تاريخية وعمرانية؛ يتم التحلل بصورة شبه عامة من تلك القيود عندما يكون الهدف إشباع حاجات سياحية أو تجارية معاصرة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار