حياةُ «الروبوتات» وتعميم البلادة وانقراض البشر!

تشرين- هدى قدور:
إعلان شركة «نورالينك» التي يملكها إيلون ماسك عن موافقة السلطات الصحية الأميركية على إجراء عمليات زرع شرائح ذكية في الدماغ لم يكن مفاجئاً؛ فالقفزات التي حققها الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر الماضية، يؤكد أن الباب مفتوح لمفاجآت تكنولوجية كثيرة خلال السنوات القليلة القادمة، وليس من باب الخيال العلمي الذي يشبه ما كنا نشاهده في أفلام السينما عن صراع الروبوتات مع البشر ومنافستهم للإنسان في الأعمال جميعها حتى الإبداعية.. فالذكاء الاصطناعي تمكن عملياً من تنفيذ لوحات تشكيلية تضاهي مهارة الفنانين العالميين، كما كتب الشعر والروايات والمقالات الصحفية، حتى إن وظيفة «صانع المحتوى» بدأت تختفي ليحل مكانها المتعامل مع الذكاء الاصطناعي الذي هو من يحرر الخبر، ويقوم بصياغته.
بالعودة إلى خبر الشرائح التي تزمع شركة نورالينك البدء بالتجارب السريرية لزراعتها قريباً، من شأنها أن تتيح للإنسان الاتصال مع الكومبيوتر عبر التفكير، وتالياً توسيع الذاكرة واستيراد المعلومات والقيام بعمليات كثيرة لا أحد يمكن أن يحذر عليها الآن. فكل ما هو واضح أننا أمام إلغاء متدرج لدور الإنسان وإزاحته عن مهمة التفكير والاختراع والإبداع، ما يعني عملياً حدوث تطورات فيزيولوجية لأجساد البشر تتناسب مع المهام البسيطة التي سيقتصرون على ممارستها فيما ستتكفل الروبوتات بالبقية.
لا أحد يعلم إن كانت هذه التقنيات سيكون لها دور في تحقيق المليار الذهبي الذي سيحق له العيش على الأرض والتمتع بثرواتها. فالشركات المخترعة لن تتيح هذه الشرائح الذكية لكل البشر، وتالياً سيكون لدينا أكثر من نوع فيزيولوجي بشري، الأول ذكي ومزود بتقنيات حديثة تستفيد من الكومبيوتر، والثاني مستهلك عاجز غير قادر على شراء الشرائح والخضوع لعمليات زرع في الدماغ.
نظرية التدمير الذاتي للحضارة البشرية، صارت أمراً أقرب إلى الواقع مع الفورة الأخيرة لهذا النوع من التقنيات الذي سيزيح الإنسان بشكل تدريجي عن أمكنة اتخاذ القرار والتصرف والتحكم. إنها البطالة والعطالة الكبرى، إلى جانب الفرز العنصري الذي سيحدث بين البشر خلال المراحل القادمة الذي سيذكرنا بالعبودية نتيجة الاضطهاد الذي سيتعرض له من هم خارج المليار الذهبي، وما سيعانونه من أوبئة وأمراض تمهيداً للخلاص منهم أو انقراضهم تلقائياً.
ما يشجعه البشر اليوم ويشعرون بالسعادة لحصوله، سيكون وبالاً عليهم في السنوات اللاحقة، فالدول المتقدمة لن تقدم ميزات التطور التقني الجوهرية للآخرين المصنفين درجة ثانية أو ثالثة، بل سيكون هذا الأمر بمنزلة مشروع إبادة ضمنية غير معلنة لكل من لا يقدر على مواكبة القفزات التقنية القادمة المرتبطة بمستوى دخل الدول والفرد.
ستحذف البشرية كل ما كتبته من شعر ومسرحيات وروايات، وما ألفته من موسيقا وما رسمته من لوحات، لأن التقنيات الجديدة ستضاهي كل ما أنتجه المبدعون، والمشكلة أن لا أحد يستطيع إيقاف هذه العملية التطورية المتسارعة جداً الخاضعة للتجارة والعائدات المالية إلى جانب العقائد العنصرية الغامضة الدور الأبرز.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار