إشعالُ مواقع التواصل.. وإخمادُ الثقافة الجادّة!

تشرين- هدى قدور:
من كثرة استخدام عبارة «أشعلت أو أشعل مواقع التواصل الاجتماعي» أصبح يلزمنا فوج إطفاء متفرغ دائماً على الشبكة، مهمته إطفاء الحرائق التي ستشتعل مباشرة إذا حصل طلاق بين ممثل وممثلة، أو صرح أحد النجوم تصريحاً أو أخذت إحداهن صورة «سيلفي» ببنطال ممزق، وهذا إن دل على شيء، فهو يؤكد هشاشة الاهتمامات والمضامين إلى درجة تشبهها بالقش الذي يشتعل من ذرة نار صغيرة.
هذه العبارة صنعت نوعاً من التنميط في وسائل الإعلام الإلكترونية، ولم يجتهد أي منها للعثور على كلمة مغايرة يمكن التعبير بها غير اشتعال المواقع، مع أن السبب تافه وبسيط، ولا يستحق أن توقد الحرائق لأجله.. والغريب في هذا أيضاً، أنه في وقت الأحداث الكبرى، لا تشتعل الحرائق ولا هم يحزنون! فالجمهور أصبح يصنع مزاجه الخاص ويستسلم للرداءة، وينهمك بها عن عمد وطيب خاطر، وهو بذلك شريك أساس في تسويق هذا النوع من الثقافة.
من الواضح أن تداعيات التطور التكنولوجي لن تقتصر على ذلك، وإذا عدنا إلى السنوات السابقة، وحاولنا رسم خط بياني لاهتمامات الناس وقيامهم «بإشعال الحرائق على مواقع التواصل» كرد فعل على أحداث معينة، سنكتشف حجم التراجع الثقافي الذي يسيطر على المشهد، فالحرائق لا تشتعل على هذه المواقع نتيجة رحيل روائي شهير، ولا يحصل الاشتعال أيضاً عند صدور رواية مهمة، أو فوز أديب بجائزة كبيرة. إنه اشتعال الكسالى الذين يفضلون نوعاً محدداً من الأخبار والأحداث، مثل أغنية هابطة أو تسريحة شعر أو فستان، أما الأشياء المحورية الجوهرية فلم يعد لها زبائن ولا مهتمون للأسف.
للأسف أيضاً.. ساهم في ذلك عدد كبير من الممثلين والممثلات الذين خفتت نجوميتهم ولم يعد أمامهم سوى أخبار الفضائح والاستعراضات والغرائب من أجل «إشعال مواقع التواصل» المنتظرة أي نبأ هزيل تطبل وتزمر له، من دون أن يرف لها جفن، والسبب أيضاً يعود إلى غياب النقد الحقيقي الموضوعي والجريء للأعمال الفنية ولاهتمامات الناس في ظل الفوضى التكنولوجية التي تشظت فيها المنصات، وأصبحت الشاشات أكبر من أن تحصى وكذلك أصبح الحالمون بالنجومية والوصول إلى عدد كبير من المتابعين أكثر من أعداد الجمهور نفسه.
من حق الجميع أن يحلموا بالنجومية بطريقة أو أخرى، لكن أن يتحول الأمر إلى ظاهرة، وتصبح النجومية سهلة الحصول لمجرد صورة فوتوغرافية، فهذا ما يجعل الأمر يصبح مرضاً خطراً ينذر بأمراض أخرى على الطريق، والمشكلة أن وسائل التواصل والمواقع المختلفة تقوم بتشجيع هذه الظاهرة، وتقدم المساعدات التكنولوجية لها، حتى إن ذلك السلوك أصبح مورد رزق للكثيرين والكثيرات ممن يحلمون بحصد المتابعات من أجل كسب المال من الإعلانات، وهذا الهاجس يمكن أن يدفعهم لأن يقوموا بأي شيء يجذب الناس، حتى لو كان من التفاهة والهشاشة التي لا يتصورها عقل.
لو أن مواقع التواصل الاجتماعي تشتعل في القضايا الكبيرة في بعض الأحيان، لقلنا إن الأمر طبيعي ، ولا مشكلة مادام البضاعة كلها موجودة على الشبكة، أما أن تكون الساحة مفتوحة فقط للتسطيح والاستهلاك السخيف، فتلك مسألة تستحق الدراسة أو على الأقل تستحق أن يهرع أصحاب الثقافة الجادة من أجل إيجاد حل لبضاعتهم البائرة التي لا تحظى بربع مشاهدات البضاعة الخاصة باشتعال مواقع التواصل.
يتوقع كثيرون إعلان وفاة الثقافة الجادة، إذا بقيت الأمور على هذا المنوال، وما يحصل حتى اللحظة يؤكد أن البشرية سائرة في هذا الاتجاه، إذ لن نعثر على أي شيء حقيقي وجوهري في المستقبل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج «الصحة» تطلق الأحد القادم حملة متابعة الأطفال المتسرّبين وتعزيز اللقاح الروتيني دمّر الأجور تماماً.. التضخم لص صامت يسلب عيش حياة كريمة لأولئك الذين لم تواكب رواتبهم هذه الارتفاعات إرساء القواعد لنظام اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحرية الاقتصادية.. أكاديمي يشجع على العودة نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» لتحقيق التوازن بين البعد الاجتماعي والاقتصادي