سورية وروسيا في الميدان ذاته في ذكرى النصر على النازية: تجديد صناعة النصر وكتابة التاريخ

تشرين – هبا علي أحمد:
كلٌّ يكتب التاريخ كما يحب للتاريخ أن يكون وأن يذكره، فالمستعمر يُجدّد استعماره أو يحاول أن يجدّده بأدوات وطرق هيمنة وغطرسة بحيث لا يمكن رؤيته وقراءة سطور التاريخ إلّا من خلالها، في حين المنتصر في زمن ما يُجدّد التاريخ بمزيد من الانتصارات وربما يستمدّها ويستوحيها من انتصاره الأول وكأن النصر في كل المعارك – طالت أم قصرت – قدره الحتمي الذي لابدّ منه صوناً للتضحيات وصوناً للبناء الذي تلا مرحلة التضحيات.
اليوم روسيا تعيد كتابة التاريخ في أوكرانيا ومنها ومن خلال مواجهة ضفتي الأطلسي.. تاريخ النصر الذي حققته سابقاً وتعمل على تحقيقه راهناً، مع فارق غاية بالأهميّة أن الصراع الذي تخوضه روسيا اليوم، هو صراع عن العالم وللعالم، والنصر الذي تهدف إليه هو نصر للعالم.. العالم الحر الحقيقي المواجه لغطرسة الغرب والهيمنة الأمريكية، صراع مع واشنطن وأدواتها الجديدة وصراع مع أوروبا كلها كتابع أمريكي.. أي إنه صراع وجودي يكتب التاريخ الحديث مجدداً ويعمد إلى موازنته وإعادة توازنه، وفي احتفال روسيا بذكرى نصرها على النازية أو الحرب الوطنية العظمى ١٩٤١-١٩٤٣ في هذا السنة بالتحديد إنما هو تأكيد على مواصلة طريق ومواصلة المعركة إلى يوم النصر.
في حروب روسيا التي حققت فيها النصر سابقاً أطلق عليها الحروب الوطنية «الحرب الوطنية العظمى ضد ألمانيا النازية والحرب الوطنية ١٨١٢ نصر روسيا على الغازي الفرنسي» أي أخذت طابعاً وطنياً، وكانت صراعاً روسياً مع أوروبا كلها، على أنه في معركة اليوم «العملية العسكرية الروسية الخاصة بحماية إقليم دونباس» هي معركة وطنية- عالمية في آن معاً لأهميّة نتيجتها، مفرزاتها وتداعياتها، على العالم برمّته وعلى توازن قواه وعلاقاته الدولية بما يؤدي إلى عالم جديد سمته الأبرز التعددية، ومن هنا تنبع أهميّة الصراع اليوم وخلفياته.

بوتين: نريد عالماً أكثر استقراراً وعدالة للجميع.. وروسيا ممتنة لمن حاربوا وحققوا النصر لها ولهم

منعطف حاسم تقف أمامه روسيا كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب ذكرى النصر، وأضاف: أعداء روسيا يريدون تدميرها وإعادة كتابة نتائج الحرب الوطنية العظمى مدفوعين بإيديولوجية التفوق الإجرامية، لكننا نريد أن نرى العالم أكثر سلاماً وعدلاً واستقراراً للجميع.. فبالنسبة لنا، لروسيا، لا توجد شعوب غير صديقة ومعادية في الغرب ولا في الشرق، لكن النُخب العولمية الغربية تؤكد كالسابق استثنائيتها، وتحرّض الناس ضد بعضهم الآخر وتفتت المجتمع وتثير الصراعات الدامية والانقلابات، وتزرع الكراهية والرهاب الروسي والقومية العنيفة، وتدمر القيم الأسرية والتقليدية التي تجعل من الإنسان إنساناً..
نقاطٌ مهمة نوّه بها بوتين توسع دائرة الفهم لخلفيات الصراع.. فالصراع الأوروبي مع روسيا لا يرتبط فقط بالإيديولوجية والسياسة والتعددية القطبية المرفوضة غربياً وأمريكياً وتفوق قوى عالمية مناهضة للغرب، بل هو صراع قيم.. صراع بين من يعمل على تكريس السلام وبين من يعمل على تكريس الحرب، بين من يعمل لصالح عالم أكثر استقراراً، وبين من يقود لديمومة الفوضى، من يسعى لتوحيد الشرق والغرب عبر التعاون والشراكات وعبر توحيد الإنسانية والعمل لأجلها وبين من يمتهن التفتيت والتدمير ويُعلي الرأسمالية وسطوتها على الإنسانية وقيمها، أي إنه صراع محاور متكامل الأركان وهو ليس جديداً ولكنه يتجدّد بطريقة أكثر صموداً ودفاعاً في مواجهة طريقة أكثر وحشية وأقل إنسانية.. والصراع عنوانه أوكرانيا وعلى أراضيها، لكنه في حقيقته أوسع وأبعد وأخطر.

روسيا ستواصل الطريق الذي بدأته في أوكرانيا 24 شباط 2022 .. والغرب يشوه التاريخ فيما الأجدر به أن يعود إليه ويستخلص منه العِبر

محو الذاكرة التاريخية للشعوب الذي لفت إليه رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين، من خلال استبدال يوم النصر بما يسمى يوم أوروبا، وفرضه على الشعب الأوكراني، وتقديم رئيس نظام كييف فلاديمير زيلينسكي مشروع قانون إلى البرلمان يقترح فيه أن يكون الثامن من أيار يوم الذكرى والنصر على النازية في أوكرانيا بدلاً من يوم الـ٩ من أيار، هي جزئية غاية في الأهميّة، إذ إن في أي صراع يقوده الغرب يسعى لطمس حقائق في مقابل تكريس التزييف، وتشويه التاريخ والهوية وبث الفرقة بين شعوب وحدتها الجغرافية كما وحّدها التاريخ والبطولات والتضحيات ووحّدها في وقت ما النصر، ويؤكد هذا قول فولودين: إنّ يوم النصر عيد يوحد شعوب الاتحاد السوفييتي التي تصدت للنازية وأنقذت العالم من براثنها، وكل ذلك يثير أعصاب سلطات واشنطن وبروكسل ويقض مضاجعها فيحاولون محو الذاكرة التاريخية واستبدال هذا اليوم بـ«يوم أوروبا» لمواطني أوكرانيا.
احتفالية النصر أمس يمكن عدّها أبرز ردّ على محاولات التفرقة، إذ جمعت قادة بلدان رابطة الدول المستقلة، ما يدلّ كما قال بوتين، على الامتنان لمأثرة الذين حاربوا وحققوا النصر معاً، فجميع دول الاتحاد السوفييتي ساهمت في تحقيق النصر المشترك.
العرض العسكري الذي شهدته الساحة الحمراء الذي تضمن مرور مدرعات من طرازي «تيغر» و«تايفون-أو»، منظومات صواريخ «إس-400» للدفاع الجوي، وناقلات جنود مدرعة «بي تي إر -82 آ»، وصواريخ عملياتية تكتيكية «أسكندر-إم»، ومنظومات صواريخ أرضية متنقلة «يارس»، وكذلك ناقلات جند مدرعة جديدة من طراز «بوميرانغ»، ليس استعراضاً فحسب بل هو تأكيد على الاستراتيجية الروسية في مواصلة ما بدأت به يوم ٢٤ شباط ٢٠٢٢، واستعداد دائم لأي مواجهة متجدّدة.

اليوم روسيا ليست وحدها في الميدان.. سورية أيضاً تعيد كتابة تاريخ النصر.. سورية وروسيا وبمساعدة تكتلات إقليمية ودولية تعيدان تصويب التاريخ ووضعه على السكة الصحيحة

اليوم روسيا ليست وحدها في الميدان، كانت سورية قبلها تعيد كتابة تاريخ النصر ولا تزال حتى الوصول إلى آخر حرف في السطر، واليوم باتا يعملان معاً على صياغة التاريخ بمساعدة محور وتكتلات إقليمية ودولية تريد إعادة تصويب التاريخ ووضعه على السكة الصحيحة، وصناعة النصر الناجز على الهيمنة الأمريكية الغربية بجميع مسمياتها ومستوياتها وأدواتها، أي بما معناه إعادة رسم لوجه العالم إن أمكن القول.
يقدم الغرب أوكرانيا للعالم على أنها ضحية وتستحق النصر ولتحقيقه لابدّ من الاستماتة في تسليحها و«تحريرها من روسيا».. الغرب يشوه التاريخ ولكن الأجدر به أن يعود إليه ويستخلص العِبر منه وهو إن حقق نصر كما يحلو له أن يترجمه من خلال دفع روسيا إلى الأزمة الأوكرانية عليه أن يتأكد من أن الفرصة التي يريدها بتدمير روسيا لن تتحقق، ولا ضير في أن يتعظ من قول نابليون بونابرت عن معركة موسكو ١٨١٢ «إنّ أسوأ معركة خضتها في حياتي كانت تلك التي وقعت قرب موسكو. لقد أظهر الفرنسيون أنفسهم بمظهر مستحقي النصر، لكن الروس أظهروا أنفسهم بمظهر غير المقهورين».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج «الصحة» تطلق الأحد القادم حملة متابعة الأطفال المتسرّبين وتعزيز اللقاح الروتيني دمّر الأجور تماماً.. التضخم لص صامت يسلب عيش حياة كريمة لأولئك الذين لم تواكب رواتبهم هذه الارتفاعات إرساء القواعد لنظام اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحرية الاقتصادية.. أكاديمي يشجع على العودة نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» لتحقيق التوازن بين البعد الاجتماعي والاقتصادي