تضارب القيم

تبادر لأذهاننا للوهلة الأولى أن حديثهم يدور عن تشوه بعض القيم الاجتماعية خلال سنوات الحرب الظالمة، وما تخللها من تسلل لمفاهيم هدامة دخيلة على مجتمعنا، إلّا أن هذا الأمر على خطورته وأهمية الحاجة لوضع منهجية واضحة لمواجهته وإعادة تكريس المفاهيم والقيم السليمة عبر توظيف مختلف المنابر التربوية والثقافية والدينية وغيرها، لم يكن المقصود في جلسة بعض معارفنا التي دخلنا إليها بالمصادفة.

محور الحديث بعد السؤال تبين أنه يتناول تفاوت قيم نتائج التحاليل الطبية، حيث إنها تختلف من مخبر إلى آخر، ولا ضير لو كانت ضمن النسب المسموحة ولا تغير بالنتيجة التي يبني عليها الطبيب العلاج المطلوب، لكن المشكلة في حال كانت النتيجة متضاربة إلى حدّ كبير وترتب عليها علاج غير صحيح ليمر الوقت بينما حالة المريض تسوء.

لا يتضح هذا الأمر بالطبع إلّا عندما يشكك الطبيب بصحة التحاليل لتناقضها مع التشخيص السريري للمريض، ويطلب إعادة إجراء التحليل في مخبر آخر، ويرجح متابعون أن سبب تفاوت النتائج إلى حدّ يفوق النسب المسموحة، يعود في بعض الحالات لإهمال المعايرة الدورية المطلوبة لأجهزة التحاليل المخبرية طمعاً بتوفير تكاليفها، وفي حالات أخرى لعدم دقة التزام المريض بزمن الصيام المفترض قبل تنفيذ تحاليل معينة، وفي غيرها لأن التحليل كالخضاب مثلاً ينفذ في مخبر ما يدوياً وفي آخر آلياً، حيث تتأثر سرعة المثفلة وتتباين النتيجة.

المستغرب أن بعض الأطباء يوجهون مرضاهم إلى مخابر بعينها، وقد يشترط عدم قبول التحاليل من مخابر أخرى، وهنا يتساءل البعض: هل الدافع من وراء ذلك المصداقية والثقة في نتائجها من دون غيرها .. أم الدافع منافع لا نعلمها؟
ما ينغص على المرء أكثر، أنه فوق المرض واحتمال الخطأ بالنتيجة وتفاقم الحالة، يتم تقاضي أجور باهظة للتحاليل تفوق طاقة تحمل الفقراء، ولا يخلو الأمر على هذا الصعيد أيضاً من حالة التفاوت الكبير في أجور التحاليل نفسها بين مخبر وآخر، حيث تسن على المزاج فيما اللوائح السعرية مهملة.

لا حلّ لمجمل ما سبق، إلّا عبر جهاز رقابي تشارك فيه جهة محايدة لا أن يُترك الأطباء المخبريون وحدهم فيه ويكونون هم الخصم والحكم، وذلك لضمان متابعة تطبيق الاشتراطات الكفيلة بصدور نتائج دقيقة للتحاليل في مختلف المخابر، والحرص على الإلزام بالأجور النظامية المحددة، وفي حال المخالفة تتخذ الإجراءات الرادعة، وخاصةً في ظل ظروفنا الصعبة التي لا يعقل خلالها استمرار السكوت عن استغلال المرضى الفقراء الذين بالكاد يتدبرون لقمة عيشهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار