الأسطورة سَدى الرواية 

كلُّ ثقافة أو لغة أنتجت روايةً كان محمول هذه الرواية، مهما قاربت الواقعية، على المخزون الأسطوري الشفوي لهذه الثقافة، فدون جهد أي باحث سيلتقط الانتباه أن التدوين البشري بدأ متأخراً جداً عن ملَكة القص ورواية الأحداث التي كان أقواها مزاجَ الطبيعة المتقلب وصراعَ البقاء مع عناصرها الجبّارة غير المفهومة، قبل أن تظهر حاجات العواطف إلى إنشاد الزرع والأمومة (في أغاني المهد) وحين بدأ الوعي ينتظم في هيكلٍ مشوّق

( التشويق كان هدفاً مقصوداً لتسويغ القصّ من أصله) متتابعِ التفاصيل عرفنا ملحمة “جلجامش” ثم “الإلياذة” و”الأوديسة” التي أطلقت العنان للخيال وتجاوزت القدرات البشرية المحدودة أمام قوة الموت القاهر، وحزم القضاء والقدر، لنعرف فيما بعد عبر الترجمة، أن الشعوب كلّها أنتجت أساطيرها الخاصة، وأن هناك متشابِهات في الأفكار وتقارباً في مواجهة ظواهر الكون بأسرها التي لابدّ لها من أبطالٍ ذوي قوى خارقة حتى لو اختلفت صياغات اللغة بين شعبٍ وآخر وقارّة وأخرى، فالأسطورة تكاد تكون واحدة حتى حين تلبس زياً في الشرق يختلف عن قماش الغرب أو تنزل لتتجوّل في الأدغال الإفريقية، لأنها في زمن ما، تلاقت عبر اختلاط الشعوب ببعضها حرباً أو سلماً وتجارة فعُرفت “شهنامة” الفرس و”مهابهاراتا” الهند لتتابع بعدها عشرات الملاحم “الصغيرة” أو “الفرعية” كأنها أغصان الشجرة الطرية الخضراء!

هل تختلف الأساطير في قيمتها؟ نعم تختلف حين تحليل البناء القصصي كما تختلف الروايات الأدبية، وكما تختلف تجربة الشعوب في خوضها للحروب (بعد الحرب مع الطبيعة) لأن الأدب الإفريقي المدوّن مثلاً، عُرف متأخراً عن غيره من الآداب وأبدع في الرواية بعد أن قام شعراؤه المعاصرون بتدوين كلّ المرويات الشفوية التي قدّست أرواح الأسلاف وآمنت أن هذه الأرواح تبقى حية وفاعلة في حفظ كيان القبيلة وأن السحر والتعاويذ وسيلة من وسائل الانتصار على العدو والفشل والعفاريت والجنّ التي تسبب الجفاف والعواصف والمجاعات، لذلك لابدّ من التقرُّب منها وكفّ أذاها بتقديم القرابين والأضحيات!

كوّنت الأساطير أبنية خالدة تستعصي على الانهيار الذي يقوّض العمران من حجر أو رخام ولا يترك منه إلّا الأطلالَ والأوابد، وفي أفنية هذه الأساطير سيجد الشاعر والروائي، أبداً، ركناً ينعزل فيه أو قدَحاً يتناول شرابه أو صدى خفيّاً يسمعه، ومهما قيل في الأدب اللاتيني المعاصر من تحليلات وشروح وبحثٍ، وكيف تسيّد الآداب المعاصرة، فإنّ كلمة السرّ فيه أنه موصوفٌ بالواقعية “السحرية” ومن أين أتى السّحْرُ أصلاً؟ أليس من الأساطير التي أعادت بناء العالم ليصبح أجملَ وأكثرَ تقبُّلاً؟ وأبرز ما في هذا “البناء” أنه يشبه شجرة كونية ثابتةً في جذعها، سخيّة في تجديد أغصانها وثمارها لا تبخل بها على مبدعي هذا الكوكب!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
سيتم إطلاقها بالتوازي مع المنصة الوطنية للحماية الاجتماعية.. وزير الاتصالات والتقانة: منصة الدعم النقدي ستكون جاهزة خلال الأشهر الثلاثة القادمة بسبب ارتكاب مخالفات واقتراع الناخبين ذاتهم أكثر من مرة.. القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من مراكز حلب وريفها المقداد يعزي البوسعيدي بضحايا حادث إطلاق النار الذي وقع في محافظة مسقط ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج