تغير الظروف وصعوبة تأمين مستلزمات المعيشة اليومية في ظل انتشار مفاهيم جديدة ليست مرتبطة بما يحدث الآن، بل يعود الأمر لعقود طويلة، اعتمد فيها المواطن في تأمين مستلزمات معيشته على مصادره الخاصة، لاسيما المرتبط منها بالفلاحة والزراعة وتربية الحيوان وغيرها من المنتجات المنزلية، وهذه تكثر في الأرياف التي شكلت اقتصاداً منزلياً متكاملاً، لا بل حقق فائضاً يتم تسويقه بجهود شخصية من الفلاح أو من القائمين على العمل وهذا ما نشاهده في أسواق خاصة، أو عبر وسائل نقل خاصة وفرت سوقاً استهوى الكثير من المستهلكين للثقة بالمنتج وصاحبه!
وبالتالي مفهوم الاقتصاد المنزلي قد تغير بكل مفرداته، ولم يبق مقتصراً على تأمين حاجات الأسرة في معيشتها اليومية، بل بدأ يأخذ أشكالاً أخرى وأساليب متنوعة تستهوي رأس المال والعاملين في هذا المجال، تلبية للحاجة المتطورة في بيئة المعيشة اليومية، والانطلاق منها نحو أساليب تقتضي بالضرورة تحقيق الفائض عن الأسرة وتسويقه باتجاه الآخرين..
الأدلة كثيرة على ذلك وخاصة خلال السنوات الماضية والتي تطور بها الإنتاج المنزلي بصورة متسارعة، من حيث الكم والنوع، نذكر منها على سبيل المثال تربية الثروة الحيوانية بأشكالها المتنوعة بقصد الاستفادة من قوتها الاقتصادية والتي تكمن في صناعة “الألبان والأجبان” حيث يكاد لا يخلو بيت ريفي منها، وصولاً إلى حالة الانتشار الواسعة في المدن، انطلاقاً من أهميتها الغذائية والحاجة الملحة لمعيشة الأسرة بصورتها اليومية..
ومن الواضح أن هذه الصناعة بدأت بمراحل بدائية تطورت مع الظروف المحيطة بالبيئة من ورشات صغيرة ومكونات محدودة إلى حرف متعددة تكاثرت في الأحياء والمدن إلا أن الريف كان له النصيب الأكبر لتوفر مقومات الإنتاج والتصنيع لاسيما ما يتعلق بالثروة الحيوانية والمساحة الجغرافية المستوعبة لها.
وهذه مسألة كانت ومازالت محط اهتمام ومراقبة من جميع الفعاليات والجهات المسؤولة عن حركة تطورها، والمراحل التي عبرتها خلال السنوات السابقة وخاصة أن أهلها مازالوا يفترشون الأرصفة والشوارع للمتاجرة بها في شروط سيئة في معظم الأحيان، على الرغم من محاولات الجهات المعنية من ضبطها إلا أن معظمها باءت بالفشل، لأن الأمر مرتبط بقطاع اقتصادي كبير ومرتبط بآلاف الأسر العاملة بهذه الصناعة..
وبالتالي لا أحد يستطيع تجاهل هذه الصناعة وخاصة أنها خلال العقود الماضية خضعت للتنظيم والقوننة، بشكل يؤمن لها الانتشار البيئي والصحي والصناعي، وخاصة أنه هناك الآلاف من الورشات والمنشآت الصناعية كانت تمارس مهنة صناعة الألبان والأجبان، لكن هذه الصناعة تغيرت، فقبل الحرب الكونية التي تعرضت لها بلدنا ليست كما بعدها، حيث تأثرت وبشكل كبير وخاصة على المستوى التصنيعي، وتدمير الآلاف من منشآتها ومقومات بنيتها الأساسية منها الثروة الحيوانية مصدرها الأساسي، والتي خسرنا فيها الملايين من الأبقار والماعز والغنم، ناهيك عن الانتشار المخالف لصناعتها خلال سنوات الأزمة مع تقصير واضح من الجهات الرقابية لضبطها وقوننتها من جديد..
الأمر الذي يفرض علينا واقعاً لا يكتسب صفة الحداثة، بل هو متوافر منذ زمن لكن نحن بحاجة لأرضية قانونية تعالج هذه الصناعة التي تشكل مصدر عيش لآلاف الأسر، وخاصة أن الاقتصاد المنزلي يندرج ضمن إطار اقتصاد الممكن والذي لا يمكن الاستغناء عنه، فهل نشهد معالجة فورية، أم يبقى من دون حلحلة..
Issa.samy68@gmail.com
![](http://tishreen.news.sy/wp-content/uploads/2021/02/سامي-عيسى1-150x150.jpg)
سامي عيسى
146 المشاركات