الصداقةُ حرصٌ وشغف!
مفهوم الصداقة واسع وضيق في آن معاً، أو لعله يبدو لنا هكذا.. فهي القلعة التي نحتمي بها إن واجهتنا مصائب، وهي الشاطئ الذي نذهب إليه لندع الشمس تجفف ما ترطب في قلوبنا إن شعرنا بقليل من الرجفة واحتجنا للدفء. وهي السهلُ الذي نود أن تتيسر فيه علاقاتنا مع من نحب ونتدلل عليهم، وهي الجّبلُ المملوء بالأشجار الوارفة التي يحلو لنا النوم تحت ظلالها كلما شعرنا بالتعب، وهي النهرُ الذي نتغنج على ضفتيه ساعة نشاء من دون أن نسأل هل نحن ثقيلو دمٍ أم أصحاب ظلٍّ خفيف .
وهي البحر الذي نحب أن نتبلل برذاذ موجاته لنكتشف طراوتنا وطراوة أحبتنا، وهل لديهم أماكن تشبه قاعه لأسرارنا التي تكون تافهة أحياناً. فكل المشاعر التي تسيّجُ قلوبنا بأزهارٍ من نارٍ، من غمرات الأم والأب والأشقاء والزملاء، لا تُغني عن غابة الصداقة بما تحتويه من أزهار برية.
لكن ورغم كل هذه الأطياف فهي تحتاج لعنايتنا أيضاً حتى لا تُعطب، ولتبقى متوقدة على قيد الحياة. وليس مهماً أن يكون عندنا أصدقاء كثر، بل المهم أن يتوافقوا مع حاجتنا الروحية، وألا نستثمر تلك الصداقات من دون أن نبادلهم الود ذاته، والاهتمام والرعاية ذاتها، فلا يجوز لنا أن نرمي أوساخاً ما، في النهر، ولا فضلات في البحر، ولا نعتدي على أغصان الأشجار، أو على مكعبات المودة التي بنيت منها القلعة. فالصداقة كما الأطفال، تحتاج إلى رعاية دائمة، وإلى توجيه وتنبيه، وإلى خوف وحرص، وإلى تنبيه ولو بكلمات قاسية، ولا بأس بقليل من زيت العتب، لفكّ مغاليق الودّ، إن تشنّجت لأسباب متعددة، كتقصيرٍ تجاه واجب غفل عنه أحد الطرفين، سواء بقصد أو من دون قصد، أو ارتكاب حماقة لم يكن المقصود بها إهانة الطرف الآخر (صديقاً كان أو صديقة)، وهذا الزيت مهم جداً في حماية الصداقة، فهو بمنزلة مضاد حيوي، تارة لمكافحة ما قد يصيبها من التهابات البرودة، وبمنزلة فيتامين (D) لرفع المناعة، تارة أخرى، ولحمايتها أيضاً من الإصابة بالهشاشة. فكلما دافعنا عنها، أثبتنا لأنفسنا مدى عمقها، فتظلّ بمتانة العطر ونفاذه. الصداقةُ هي أنتَ وأنا وأنتِ وأنتم وأنتن… فنحنُ ذكرياتٌ بيننا، وعلينا أن نسعى لتدوم وتدوم، وهي تكريسٌ وحرصٌ على المحبة، وتعاملٌ بندّيّةٍ منسوجةً على نول من شغف وبخيوط من براءة الأطفال وضحكاتهم.