قررت عن سابق إصرار وتصميم “النزول” إلى السوق، ليس لا “سمح الله” لشراء ألبسة أو غيرها من أشياء باتت تسمى رفاهية، وإنما لابتياع “طبخة” اليوم، علّها توفق بخيار جيد تسعد به معدة زوجها من دون تعكير جيوبه، واستعدت لهذه المخاطرة بكل قوتها وصبرها المعتاد، وبعد تفكير وتمحيص اختارت أن يكون الغداء نباتياً من أرضنا الخضراء، فاللحوم أصحبت خارج حساباتها والعائلات محدودة الدخل، لكن تفكيرها لم ينسجم مع بورصة الخضار المرتفعة أيضاً، فأقل طبخة تكلف 20 ألف ليرة، إذ قارب سعر مأكول الفقراء ألفي ليرة، وحتى البصل، الذي تفرغ به السيدات بعض الضغوط عند البكاء اللاإرادي غرد بعيداً.
الارتفاع الجنوني لمعظم السلع وخاصة الغذائية، لم يعد يناسب حال صديقتنا “المنظومة” وأغلبية المواطنين، وهذا أمر واقع يصعب نكرانه في ظل تواصل موجات الغلاء الفاحشة، فضعف القوة الشرائية وحالة الجمود، لم تردع بعض التجار عن تسعيرهم غير الرحيم، الذي يتسبب في إرهاق معيشة المستهلكين وتآكل قيمة رواتبهم، ما يستوجب اتخاذ جملة إجراءات لحمايتهم وتقوية دخولهم الشهرية بغية تمكينهم اجتماعياً ومنع الانحدار المتسارع نحو خط الفقر، وهنا يحق لنا التساؤل: مادام خيار زيادة الرواتب مستبعداً في هذه الفترة، عن مصير وفر الدعم، الذي رفع في أصعب الأوقات مع إن ما يتحدث عنه من بدل نقدي لن يكون كافياً في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، المقدرة بأكثر من مليوني ليرة بينما لا يتجاوز سقف الراتب 200 ألف، فكيف يمكن لأي عائلة تدبر شؤونها أمام هذا الفرق الشاسع، ولماذا تستبعد زيادة الرواتب من حسابات المعنيين بينما ترفع معظم السلع والخدمات وآخرها رفع سعر الدواء الصادم، في اعتماد غير منطقي على جيوب المواطن الصابر على كل الأزمات، وأن كان قد رفع العشرة بعد عجزه عن تأمين أبسط احتياجاته.
زيادة الرواتب وتطبيق نظام الحوافز، الذي لم نرَ ثماره حتى الآن أصبحا ضرورة ملحة وليس ترفاً بالنظر إلى التداعيات الاجتماعية المقلقة، إضافة إلى أهمية ذلك بوقف نزيف الكوادر وتحسين إنتاجية المؤسسات، أما الاستمرار في إشاحة النظر عن واقع الحال الصعب ينذر بعواقب لا تحمد عقباها، وتفاديها يعد واجباً ومسؤولية كبيرة على صنّاع القرار تحملها، وإيجاد حلول لمعضلة نقص الموارد، وهذا ليس بمستحيل، في حال ضبط هدر المال العام ومحاسبة الفاسدين وسد منافذ الاتجار بالمواد المدعومة واستثمار فعلي لإمكانات البلاد الزراعية والصناعية والبشرية بدل دعم المستوردات، فحتماً ذلك سيحقق وفراً يمكن رصده مع وفر الدعم لتحسين الرواتب وزيادة الحوافز المشجعة، على نحو يمكن “الأخ” المواطن ومنهم صديقتنا من شراء ما يسعد النفس والمعدة من لحم وخضار وحتى ألبسة.