حمى البحث عن الأرخص تهدد سلامة الغذاء والمستهلك.. اختصاصي يحذر.. ومديريات الصحة معجبة بنفسها وتثمِّن الجهود المشتركة
تشرين-بارعة جمعة:
كثيرة هي التحذيرات التي يطلقها مسؤولو الصحة العالمية المرتبطة بشكل رئيس بما يتهدد العالم من مخاطر جُلُّها من صنع البشر، كما تكاد لاتخلو هذه المساعي من المُناظرات السنوية التي تدعو للحفاظ على سلامة الغذاء والأمن الغذائي للأسر، التي اختصرت مفهوم تأمين احتياجاتها بتوفير السلع، من دون النظر لما تحويه بعضها من منتجات غير صحية، والتي شكلت تهديداً لصحة الفرد والمجتمع، بطرق ووسائل اختصرت مفهوم البحث واقتناء السلع بسعر زهيد، من دون الاعتبار للمخاطر المحفوفة بها، فيما لو تمت دراستها أو الدخول في تفاصيلها.
تهديدات مباشرة
لاشكَّ في أن اتباع نظام صحي ومتوازن يتطلب الكثير من الجهد والتفكير في اختيار أنواع الأطعمة، التي من المفترض أن تحمل معها شروطاً صحيَّة، من حيث المكونات وتاريخ التعبئة والصلاحية ومدة التخزين، والذي أكده رئيس مجلس إدارة الباحثين في علم التغذية والعلاج الطبيعي في سورية، الدكتور هيثم زوباري، وذلك من خلال الاهتمام باختيار نوعية الأطعمة المتناولة والتأكد من سلامة حفظها في ثلاجة المنزل أو المطعم، للتأثير المباشر الذي يحمله أسلوب حفظ الطعام على الصحة العامة.
خبير تغذية: المجتمع مازال غير قادر على التمييز بين ما ينفعه وما يضره
إلّا أنه في موازاة هذه التحذيرات التي يطلقها زوباري، مازلنا نشهد يومياً وضمن شوارع المدن انتشار عربات الأطعمة المكشوفة، التي تفتقد أدنى شروط النظافة والتغذية السليمة، لكونها أكثر عُرضةً للتلوث عبر الهواء والحشرات، ما يجعل منها حسب توصيف زوباري للمشهد بيئةً مُتخمة بعوامل التلوث والأمراض.
إلّا أن مايثير الدهشة حتى اليوم، أنه بالرغم من الإنذارات التي يطلقها الأطباء والباحثون حول مضار الأطعمة المكشوفة وتهديداتها المباشرة لصحة الإنسان، لا تزال سلوكيات الأطفال غير منضبطة، من خلال توجههم لعربات عصير الفواكه والفطائر ضمن الشوارع وتناول هذه المشروبات والأطعمة غير الصحية، والتي برأي زوباري، تعكس ثقافة المجتمع الغذائية، الذي مازال حتى اليوم غير قادر على التمييز بين ما ينفعه وما يضره.
أضرار ملموسة
وإذا ما عدنا لتصنيف الأمراض الناتجة عن هذه السلوكيات، والتي بدورها أنتجت قناعة تامة لدى الأطباء باتباع نظام الوقاية بدلاً من الدخول بتفاصيل العلاج لأمراض وصفها زوباري بالخطرة، كالتسمم الغذائي والأنفلونزا والجدري، وبعض الأمراض التي يتعرض لها الأطفال بشكل مباشر كالحصبة والنزلات المعوية وأمراض الجهاز الهضمي المزعجة.
على الجهات المعنية تقديم توضيحات أكثر حول سبب الصمت عن الأطعمة الجاهزة التي تعد سموم
فما ينتج من سلوكيات خاطئة من الأهالي والأطفال، يفسره عدم الاكتراث بسلامة الغذاء برأيه، ولاسيما أن الأغلبية منهم يلجؤون لاستثمار مبدأ رخص السعر مقابل التوفير في مكان آخر، فيما تغيب عن ذهن الأسر عدم احتواء هذه الأغذية أيَّ قيمة غذائية مضافة، لاعتماد معظمها على النشويات والدهون، ما يجعلها تسهم في زيادة السمنة وزيادة الخلل الهرموني وخاصة عند الفتيات في مرحلة البلوغ.
وأمام كل هذه المخاوف المنتشرة من تناول الأغذية غير الصحية، يطلق الباحث في علم التغذية الدكتور هيثم زوباري تحذيراته للعائلات بتوخي الحيطة والحذر من اللجوء للأطعمة الجاهزة والمحضرة من دون معرفة مواصفاتها، استناداً لما أثبتته نتائج دراسات وبحوث عالمية وإقليمية ومحلية من مخاطر كثيرة، متسائلاً حول إصرار المواطن على تناول السموم بكلتا يديه، ومطالباً الجهات المعنية بتقديم توضيحات أكثر حول سبب الصمت عن هذه الكوارث!
فرق صحية
وفي مواجهة هذه الظواهر والحالات التي أثبتت خطورتها بشدة على صحة الفرد والمجتمع، والتي تستدعي تضافر العديد من الجهات القائمة أعمالها بشكل رئيس على مبدأ الصحة والسلامة المجتمعية، كان لابدّ من التوجه لأصحاب الأولوية في معالجة المشكلة المتعلقة بكوادر وزارة الصحة، التي أكدت لـ”تشرين” على لسان رئيسة شعبة الأمراض السارية والمزمنة في مديرية صحة دمشق الدكتورة “ريتا أسعد”، بأن ما تقوم به المديرية يتم بناء على تعليمات وزارة الصحة وعبر فريق التقصي الوبائي في شعبة الأمراض السارية والمزمنة، لمراقبة سلامة الماء والغذاء، من خلال جولات رقابية وتفتيشية على محال بيع وصنع المواد الغذائية، وذلك بالتنسيق مع مديرية الشؤون الصحية في محافظة دمشق، بغية التأكد من سلامة وصلاحية المواد الغذائية وسلامة العاملين ومدى تقيدهم بالقواعد الصحية لإعداد وتقديم الأطعمة، بالإضافة لأخذ عيِّنات للفحص الجرثومي
والكيميائي منها، ومن ثم إرسالها إلى مخابر الصحة العامة في الوزارة أو مخابر مديرية الشؤون الصحية للدراسة والتقييم.
ولأن أكثر ما يتعرض له المجتمع من أمراض يرتبط مباشرة بما يتناوله من طعام يومي، يتم العمل وفق تأكيدات أسعد على أخذ عينات من محال الأجبان لتحرِّي عامل البروسيلا (الحمى المالطية)، وعينات من الخضار الورقية ومياه الصرف الصحي بشكل دوري لتحري عامل الهيضة (الكوليرا)، ومن ثم دراستها في المخابر أيضاً، يضاف إلى ذلك أخذ عينات من المسابح والحمامات ومراقبة كلورتها، وعينات من مياه الشرب للتأكد من وجود الكلور فيها.
وعن أسلوب التعاطي مع الحالات في حال تم تسجيل أي من حالات التسمم الغذائي، أكدت رئيسة شعبة الأمراض السارية والمزمنة في مديرية صحة دمشق الدكتورة ريتا أسعد، بأن الاستجابة تتم عبر تقصِّي الحالة والكشف على مكان الشكوى وقطف عينات من المواد الغذائية ذات العلاقة لإجراء التحليل الجرثومي، واتخاذ الاجراءات من كتابة ضبط أو إغلاق محل من قبلهم.
مسؤولية مشتركة
ولأنه لم يعد غريباً المرور بمناطق وأحياء عدة من دمشق من دون مشاهدة عربات وبسطات تعرض كل ما لذّ وطاب وبأسعار مُغرية، كما ستجعل ممن ينظر إليها يبادر بالسؤال وربما الشراء فوراً، من دون وجود أي مبرر أو عذر رسمي لوجودها، بل عدّها مُخالفةً من وجهة نظر القانون، والتي لا تزال محافظة دمشق حتى اللحظة تتعامل مع وجودها ضمن هذا المبدأ.
وبالتزامن مع انتشارها بكثرة، لا تزال مسألة حفظ السلامة الغذائية ترتبط بدوريات الرّقابة فقط، والتي وفق ما صرّح به مدير الشؤون الصحية في محافظة دمشق “قحطان إبراهيم” تضم أرجاء المدن كافة، من قبل مراقبين صحيِّين ضمن خطة التنسيق مع شعبة الأمراض السارية والمزمنة التابعة لمديرية الصحة، وذلك بشكل أسبوعي، ضمن مهمة الكشف الدوري على كلّ المحال التجارية الخاضعة للرقابة الصحية، للتأكد من صلاحيتها للاستهلاك البشري.
تم تسجيل قرابة 14132 ضبطاً صحياً و173 إنذاراً لاستكمال النواقص الصحية العام الفائت في دمشق
وتشمل هذه الجولات حسب تصريحات إبراهيم لـ”تشرين” أخذ عينات من خزانات المدارس والمشافي والدوائر الحكومية والمحلات التجارية، واعتماد العيّنات أيضاً للمواد الغذائية في الأسواق سواء كانت مُعلَّبة أو سائبة.
حالات مسجلة
وما يهدد السلامة والأمن الصحي للمجتمع بات منتشراً بكثرة وبشكل واضح، هذا ما أكدته الحالات التي تم رصدها ضمن جولات الرقابة على العديد من أماكن عرض المواد المكشوفة حسبما أكده إبراهيم، والتي تتم بالتنسيق مع قسم شرطة محافظة دمشق ودائرة خدمات المنطقة، وذلك بمصادرتها وإتلافها أصولاً برفقة عناصر الشرطة وعناصر بلدية المنطقة، حيث تم تسجيل قرابة 14132 ضبطاً صحياً و173 إنذاراً لاستكمال النواقص الصحية العام الفائت.
شعبة الأمراض السارية والمزمنة تعمل عل مراقبة سلامة الماء والغذاء، من خلال جولات رقابية وتفتيشية على محال بيع وصنع المواد الغذائية
كما تم تسجيل حوالي 686 إغلاقاً لمحال مخالفة، تنوعت بين: (قذارة عامة، وجود مخلفات قوارض، وجود حشرات، استعمال بلاستيك ملون، عدم ارتداء قفازات، استعمال خضار ورقية، وجود مواد منتهية الصلاحية، وجود مواد فاسدة، تعريض مواد غذائية مكشوفة خارج المحل، استعمال صحون كرتون غير نظامية، فرم لحوم مسبقاً بكميات كبيرة)، في حين بلغ عدد العينات 812 عينة ضمن إحصاءات العام الماضي.
وفي النظر لكل ما يشوب سلامة الغذاء وصحة الفرد، لا تزال حتى اليوم المضاربات السعرية، تحدّ من قدرة المواطن على التمييز بين هذه المخاطر، التي لا تزال تنادي بها مؤتمرات السلامة الغذائية سنوياً، بل تدفع إليها بقوّة، من دون تأمين أبسط احتياجاته من غذائه الصحي والسليم.